الأديان السماوية ورعاية المعاقين
مقــدمــة
لقد كان الحديث في هذا الموضوع وهو رعاية الأديان السماوية للمعاقين له العظيم من الدلالات فأحببنا من خلال هذا الكتاب أن نؤكد على أن الأديان السماوية تتفق معا في رعاية المعاقين وبمنهجية واضحة وان هذا كله ينبع من مشكاة واحدة .
في ظل زمن يتصارع فيه كل الأديان السماوية وتحيا البشرية في حروب جراء بعدنا عن المنهج الصحيح للروح السمحة للأديان السماوية اليهودية والمسيحية والإسلام في وقت يعيش فيه كل كافر وملحد في أمان وبدلا من أن نتوجه لنسعد البشرية أصبحنا ببعدنا تشقى بنا البشرية .
إن هذا الكتاب والتعاون بين الأديان لخدمة هذه الفئة هو القدوة والمثل الذي يجب ان يقتدي به كل من يؤمن بالخالق وبالآخرة والجنة والنار ويسعى جاهدا لرضي المولى عز وجل جعل الله هذا العمل في ميزان حسناتنا وأثابنا خير الثواب.
اللهم يا خالق الخلق أشفى مرضانى وانعم على هذه الفئة بالخير واليمنى والبركات وامنحنا الصبر عليهم والقوة في خدمتهم والمال في رعايتهم أنت نعم المولى ونعم النصير وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلاة وسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين.
د بهاء الدين جلال
كلمة شكر لابد منها
من عمق قلبي أتوجه بخاص شكري و عظيم امتناني إلى الأخ الحبيب..
السيد الأستاذ الدكتور / بهاء الدين جلال
الذي شرفني عندما كلفني بالقيام بهذا البحث البسيط المتواضع..
و هذا إن دل على شيء فإنما يدل ..على محبة أصيلة حقيقية … و روح إنسانية وثابة … و رؤية حضارية سمحة راقية شفافة ….
أحب أن أحييه عليها تحية شديدة الخصوصية وأرجو لمثل هذه الروح أن تنتشر و تستشري و تسود أكثر فأكثر ، ليس فقط لدى المصريين هنا في مصر و إنما على مستوى كل الكون … إنها برهان رائع و دليل ساطع على عمق الوحدة و المودة و الإخاء التي نعيشها على أرض الكنانة أصحاب الفكر و الرأي و الاستنارة و العلم من عمالقة مصر و رموزها الأفذاذ.
و لعل في هذا الكتاب (الأديان الإلهية و قضية الإعاقة) الذي اشتركنا سويا في إنتاجه و إخراجه هو بصفته رجلا مسلما و أنا باعتباري كاهن مسيحي.
أقول لعل في هذا الكتاب ردا عمليا و علميا .. هادئا و هادفا لكل من تسول له نفسه بغباء أو التواء إلى إشعال روح الفتنة و إثارة تيار البغيضة بين نسيجي هذه الأمة تحت ذاك الشعار الغريب علينا .. الوافد إلينا.. والذي يسمى خداعا و تغطية (صراع الحضارات) بينما هم في الأصل و بكل الأسف يقصدون (صراع الديانات).
فهل هذا يعقل ؟! ….. و لمصلحة من ؟! …..
هل هذا يقبل ؟! ….. و ما الفائدة ؟! …..
و لماذا التصارع ؟! ….. وعلما نتصارع ؟! …..
و ما الهدف و المغزى من وراء ذلك ؟! …..
نعم فالوضع الأفضل و الأمثل أن تتعاون الحضارات و تتناغم الديانات معا تحت مظلة الله الواحد الأحد و لصالح الإنسان أينما وجد ..
و سؤالي على لساني ….
متى يأتي الوقت الذي فيه ينعكس الوضع عن قناعة حقيقية و حب فإذا برجل الدين المسلم يكتب عن المسيحية في قضية ما مشتركة بينما يكتب في المقابل رجل الدين المسيحي عن رأي الإسلام في نفس القضية.
أحبائي ….
هل يمكن لهذا الأمل العذب أن يتحقق ؟! …
أم أني أحلم ؟! …
حتى و إن كنت أحلم … فدعني و حلمي … أتركني و شأني …
من يدرى ؟! …
فلربما الأحلام تتحقق يوما …
القمص بولس القمص ميخائيل متى
كاهن كنيسة القديس العظيم ماريو حنا المعمدان بالقوصية
الإعاقة في القران والسنة
الأبناء زينة الحياة الدنيا وبهجة العمر يملا وجودهم البيت سرورا ويغشيه فقدهم بالغموم والأحزان ولقد مكن الله حب الأطفال في النفوس والإباء والأمهات حتى بات لسان حال كل أب وكل أم كما قال الشاعر :-
تنما أولادنــــــا بيننـــــــــا أكبادنا تمشى على العرض
لوهبت الريح على بعضهم لامتنعت عينى عن الغمض
ويقول رب العزة فى محكم كتابه
( الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ) ([1])
ولأنهم زينة الحياة الدنيا ولأننا في هذه الدنيا لا نملك أن نخلق حتى جناح بعوضة ولا أن نختار أبنائنا في أحسن صورة أو أن نختارهم أصحاء أو أذكياء آو أن ندخلهم الجنة .
كما انه لااحد له الخيار أن يكون معاقا أو أن يكون سوي أو أن يرزق بابن معاق أوابن سوى هذه هي مشيئة الله عز وجل لحكمة لا يعلمها سواها ولكن قد يكون كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم (بغونى فى الضعفاء ، فإنما تنصرون وترزقون بضعفائكم) . الإعاقة قضية حيرت الجميع فليس هناك بشر معصوم من الإعاقة وليس هناك بشر يستطيع أن يهرب منها إذا شاء الله عز وجل أن يكون معاق ولو كنز كنوز الدنيا .
كما أنها قد تأتى في أي مرحلة من مراحل العمر ولا تفرق بين غنى أو فقير أو عالم وجاهل أو عابد وجاحد .فليس سببها الأيمان أو الكفر أو العلم والجهل
الإعاقة :-
لم يأتي ذكرها بلفظها في القران ولكن جاءت بصور شتى في القران والحديث الشريف فيقول رب العزة فى محكم كتابه .
( لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وََلا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون ) ([2]).
لقد كان أهل المدينة قبل ان يبعث النبي صلى الله عليه وسلم لا يخالطهم في طعامهم أعمى ولا مريض ولا أعرج لأن الأعمى لا يبصر طيب الطعام والمريض لا يستوفي الطعام كما يستوفي الصحيح والأعرج لا يستطيع المزاحمة على الطعام فنزلت الآية تحمل رخصة في مؤاكلتهم وهنا ينظر الإسلام إليهم على قدم المساواة وان المرض ليس نقمة.
و يرفع الإسلام من شان المعاقين في هذه الآية الكريمة وقد اختلف العلماء فنجد في تفسير ابن كثير يقول أنها نزلت في الجهاد وجعلوا هذه الآية هنا كالتي في سورة الفتح وتلك في الجهاد لا محالة أي أنهم لا إثم عليهم في ترك الجهاد لضعفهم وعجزهم وكما قال تعالى ( ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه – إلى قوله – أن لا يجدوا ما ينفقون) ([3]).
ثم ياتى رب العزة فى صورة الفتح الاية 17 ليقول
( لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى اْلأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا ) ([4]).
وهذه الآية وضعة رخصة أخرى للمعاقين والمرضى وذكر تعالى الأعذار في ترك الجهاد فمنها لازم كالعمى والعرج المستمر وعارض كالمرض الذي يطرأ أياما ثم يزول فهو في حال مرضه ملحق بذوي الأعذار اللازمة حتى يبرأ ثم قال تبارك وتعالى مرغبا في الجهاد وطاعة الله ورسوله ” ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ومن يتول “ أي يتثاقل عن الجهاد ويقبــل علــى المعاش “ يعذبه عذابا أليما ” في الدنيا بالمذلة وفي الآخرة بالنار.
وهنا تحضر قصة سيدنا عمر بن الجموح عندما أراد أن يخرج إلى الجهاد وكان معاق حركيا أعرج فمنعه بنوه ؛ وقالوا : عذرك الله؛ فأتى الرسول صلى الله عليه وسلم يشكوهم : فقال لا عليكم ان لا تمنعوه لعل الله يرزقه الشهادة وانفرجت أسارير عمرو بن الجموح برخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجهاد وانطلق الى زوجه وحمل سلاحه ثم خرج يقول : والله أنى لا أرجو أن اطأ بعرجتى هذه في الجنة وتوجه إلى الله بكل جوارحه واقبل على القبلة وقال : اللهم ارزقني الشهـــادة ولا تعــدني إلــى اهلـــى خـــائبا ) ([5])
وفى سورة النساء الآية 95 وفى سبب نزول هذه الآية تكريما آخر للمعاقين روى البخاري عن البراء قال ” لما نزلت لا يستوي القاعدون من المؤمنين “ قال النبي صلى الله عليه وسلم أدع فلانا فجاء ومعه الدواة واللوح والكتف فقال اكتب لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله وخلف النبي صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم فقال يا رسول الله أنا ضرير فنزلت مكانها لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر وروى البخاري وغيره من حديث زيد بن ثابت والطبراني من حديث زيد بن أرقم وابن حبان من حديث الفلتان بن عاصم نحوه وروى الترمذي نحوه من حديث ابن عباس وفيه قال عبد الله بن جحش وابن أم مكتوم إنا أعميان.
( لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِى الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ) ([6]).
هذا التكريم الذى جعل المعاقين على قدم المساواة مع المجاهدين من المؤمنين وفى ذلك يقول عن انس بن مالك عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم لقد تركتم بالمدينة أقواما ما سرتم من مسيرة ولا أنفقتم من نفقة ولا قطعتم من واد إلا وهم معكم ، قالوا وكيف يا رسول الله يكونوا معنا فيه ؟قال : حبسهم العذر) وفى هذا يقول الشاعر .
يا راحلين إلى البيت العتيق لقد سرتم جسوما ونحن سرنا أروحا
إنا أقمنا على عذر وعلى قدر ومـن أقام عــلى عــذر فــقد راحــا
لقد صنف القران الكريم الإعاقة ضمن الإمراض المزمنة التي لا يشفى منها وهو تصنيف اعم واشمل ووضع لهم الأعذار وهنا نجد أن الغرب أطلقوا على المعاقين وغيرهم من المرضى اسم اعتبروه اسما ادميا يحفظ لهم كرامتهم ألا وهو ذوى الاحتياجات الخاصة وضموا لهم النابغين والنابهين والفائقين.
ونجد أن القرآن من أكثر من 14 قرن أطلق عليهم ذوى الأعذار أو الضعفاء وضم كل المعاقين والمرضى من الإمراض المستعصية تحت هذا المسمى ووضع لهم الأعذار في عدم الخروج إلى الجهاد وغيرها من أعذار وهنا يجب أن نشير أن القران بتصنيفه هذا يتفق مع العديد من الآراء التي ترى أن النابهين والنابغين والفائقين ليسوا من ذوى الاحتياجات الخاصة وهنا يجب علينا أن نتبنى تعريف القران الكريم ونطلق عليهم الضعفاء أو المرضى .
وليس أدل على هذا ما روى عن انس بن مالك انه مر رجل برسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقال رجل من الحاضرين : يا رسول الله هذا مجنون ؛ فاقبل النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الرجل ؛ فقال : أقلت مجنون ؟ إنما المجنون المقيم على معصية الله ولكن هذا مصاب) ([7]) .
ولقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن المعاق مصاب ولم يقبل أن يطلق عليه احد أصحابه عليه لفظ مجنون وأكد أن الجنون في الإصرار على معصية الخالق
ولهذا حرم الإسلام اللمز والغمز فقال تعالى ( ولا تلمزوا أنفسكم، ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ) ([8])
ويروى عن عيسى عليه السلام قال ( عالجت الأكمه والأبرص ؛ فأبراتهما ؛ وعالجت الأحمق ؛ فاعيانى ) ([9])
ولقد عاتب رب العزة حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم فى سورة عبس ( عبس وتولى أن جاءه الأعمى ، وما يدريك لعله يتزكى، أو يذكر فتنفعه الذكرى ، أما من استغنى فأنت له تصدى، وما عليك ألا يزكى، وأما من جاءك يسعى ، وهو يخشى ، فأنت عنه تلهى، كلا أنها تذكرة ) ([10]) .
هذه هي المرة الأولى الذي يعاتب الله رسول صلى الله عليه وسلم وهو أفضل خلقه وكان العتاب في عبد الله ابن أم مكتوم هذا الصحابي الجليل وكان هذا الأمر نموذجا في كيفية التعامل مع المؤمن والكافر انك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء وهنا يطلب رب العزة من الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الصورة أن يقبل على عبد الله ابن ام مكتوب المؤمن ويعرض عن المشــركين وتـأتى ( كلا أنها تذكرة ) يقول ابن كثير في تفسيره أن هذه السورة أو الوصية بالمساواة بين الناس في إبلاغ العلم بين شريفهم ووضيعهم وقال قتادة والسدي ” كلا إنها تذكرة ” يعني القرآن .
وكانت هذه الآية سببا في تكريم الرسول صلى الله عليه وسلم لعبد الله ابن ام مكتوم الرجل الأعمى الفقير ، فكان كلما راه يقول له ( مرحبا بمن عاتبنى فيه ربى ) وكان يستخلفه على المدينة في عامة غزواته ويصلى بالناس .
وقد جاء في تفسير ابن أبى حاتم : من عبد الرحمن بن زيد بن سالم عن أبيه انه حدث عطاء بن يسار عن أبى هريرة رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( لما خلق الله ادم مسح على ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة ، ثم عرضهم على ادم فقال : يا ادم هؤلاء ذريتك وإذا فيهم الاجذم ، والأبرص ، والأعمى ، وأنواع الأسقام ، فقال ادم : يا رب لم فعلت هذا بذريتي ؟ فقال : كى تشكر نعمتى ) ([11])
لقد اقتضت حكمة رب العالمين ذلك ، والغاية أن يبصر الأصحاء نعمة الكمال والعافية فيهم من خلال رؤية الإعاقة في إخوانهم وأبنائهم فيدركوا سعة رحمة الله بهم ويشكروه على النعمة العظيمة التي هم يتقلبون فيها .
ولهذا كان من هدى الرسول صلى الله عليه وسلم قوله ( إذا رأى أحدكم مبتلى فقال: الحمد الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني عليك وعلى كثير من عباده تفضيلا ، كان شكر تلك النعمة) ([12])
الإعاقة نقمة أم نعمة
هل اعتبر الإسلام الإعاقة نقمة أم أنها كفارة عن الذنوب أم أنها تكن سببا فى رفع الدرجات ولكن لمن ؟ المبتلى الصابر ! أم المبتلى الجاحد ! ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ) ([13])
( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) ([14])
الابتلاء هو اختبار للعبد ومن الابتلاء يظهر العبد الصالح المؤمن بالله والمؤمن بالقضاء والقدر شره وخيره وهنا تتحدث الآيات القرآنية عن الصبر فتقول (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) ([15]) ويقول رب العزة عن الصابرين ( الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) ([16])
( والذين إذا إصابتهم مصيبة ؛ قالوا : إنا لله ، وانا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم وأولئك هم المهتدون) ([17])
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( عجبا لأمر المؤمن ؛ إن أمره كله له خير ؛ وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن : إن إصابته سراء شكر ، وان إصابته ضراء صبر فكان خيرا له ) ([18])
وقوله صلى الله عليه وسلم ( ما ابتلى الله عبدا ببلاء بغير الله عز وجل ؛ وهو على طريقة يكرهها إلا جعل الله ذلك البلاء له كفارة وطهورا ؛ ما لم ينزل ما أصابه من البلاء بغير الله عز وجل ؛ أو يدعو غير الله في كشفه) ([19])
وقوله صلى الله عليه وسلم : من يرد الله به خيرا؛ يصب منه) ([20])
وقوله صلى الله عليه وسلم ( مازال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله غير وارد ، وما عليه خطيئة ) ([21])
عن انس بن مالك رضي الله عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إن الله قال ( إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة ؛ يريد عينيه) ([22])
وهنا وضع رب العزة شرط لدخول الجنة هو الصبر على البلاء وهذه مرتبة لا يصل إليها إلا من رضي عليهم المولى عز وجل وابعد عنهم الشيطان فلا يوسوس لهم بالجحود ولا يخرجهم من وعد المولى بالجنة إلى العذاب والخلود في النار.
لقد اعتبر الإسلام الإعاقة أو المرض هو امتحان للعبد وتكفير للذنوب وحط للخطايا وذلك للصابرين الشاكرين الحامدين لله عز وجل وهنا نذكر قصة سيدنا أيوب عليه السلام الذي مكث في المرض سنين إلى أن عافه الله لأنه كان من الشاكرين
وكذلك قصة المصروعة ام زفر سعيدة الاسدية فعن عطاء بن أبى رياح قال ( قال لي ابن عباس : الا اريك امرأة من أهل الجنة ؟ قلت بلى قال : هذه المرآة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إني اصرع ، وأنى أتكشف على الناس فادع الله لي . قال إن شئت صبرت ولك الجنة وان شئت دعوت الله إن يعافيك . فقالت اصبر . فقالت : أنى أتكشف فادع الله لي أن لا أتكشف فدعا لها ) هكذا يكون الصبر على البلاء ثوابه الجنة الا أن سلعة الله غالية الا أن سلعة الله الجنة.
العناية بالمعاقين
مبدأ التكافل :-
إن من أعظم مبادئ الإسلام مبدأ التكافل الاجتماعي ومساعدة الضعفاء ذوى الحاجة وقد أمر الله عز وجل بالتعاون على البر والتقوى، في قوله تعالى وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ..ومن البر والتقوى مساعدة المعاق والوقوف بجانبه والأخذ بيده والعمل على إصلاحه، ليكون عضوا نافعا في المجتمع ،ومما لا شك فيه أن المعاق يدخل في دائرة المرض وهذه الفئة تمثل قطاعا مهما في المجتمع الإسلامي، وعلى المسلمين أفرادا ومؤسسات ودولة أن ترعاهم وتعمل على كفالتهم وتؤهلهم بما يتفق وحالتهم التي هم عليها .
وقد أولت السنة النبوية الشريفة عناية بالغة بهذا الموضوع ورغبت الناس في التعاون فيما بينهم ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ( مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى ) وقوله صلى الله عليه وسلم ( المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشــــد بعضــه بعضــا) ([23]) وقــوله صــلى الله عليه وسلم( الراحمون يرحمهم الرحمن؛ ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء ) ([24])
ويبين صلى الله عليه وسلم الكثير من مظاهر التعاون ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ( وعونك الضعيف بفضل قوتك صدقة) وأنصت إلى قوله صلى الله عليه وسلم وهو يبين فضل الصدقة ( ما تصدق احد بصدقة من طيب ، ولا يقبل الله ألا الطيب، ألا أخذها الرحمن بيمينه وان كانت تمرة تربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل ، كما يربى أحدكم فلوه أو فصيله ) ([25])
وتصديق ذلك في كتاب الله تعالى ( الم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة من عباده ويأخذ الصدقات ) ([26]) وقال عليه الصلاة والسلام ( إن الصدقة لتطفئ غضب الرب وتدفع عن ميته السوء ) ([27])
عن ابن عباس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من قاد أعمى حتى يبلغه مأمنه عفر الله تعالى له أربعين كبيرة وأربع كبائر توجب النار ) ([28])
وعن انس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من قاد أعمى أربعين ذراعا كان له كعتق رقبة ) ([29])
عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من قاد أعمى أربعين خطوة وجبت له الجنة ) ([30])
عن أبى ذر قال :- قلت يا رسول الله ذهب الأغنياء بالأجر ، فقال: ألستم تصلون وتصومون وتجاهدون ؟ قال : قلت : بلى ، وهم يفعلون كما نفعل : يصلون ويصومون ويجاهدون ويتصدقون ولا نتصدق . قال إن فيك صدقة كثيرة : إن فـي فضــل بيــانــك عن الارتم ( هو الذي لا يفصح الكلام ولا يصححه ولا يبينه). تعبر عن حاجته صدقة ([31]) ، وفى فضل سمعك على السيئ السمع تعبر عن حاجته صدقه. و بفضل بصرك على ضرير البصر تهديه الطريق صدقة ، وفى قوتك على الضعيف تعينه صدقة وفى إماطتك الأذى عــن الطــريق صــدقة ، وفـى مباضعتك اهلك صدقة قال ( قلت يا رسول الله أياتى احدنا شهوته ويؤجر ؟ قال ارايتم لو جعلته فى غير حله أكان عليك وزر ؟ قال : قلت : نعم افتحتسبون بالشر ولا تحتسبون بالخير ) ([32])
لقد جاء قول الرسول صلى الله عليه وسلم جامعا يبين كيف تجمع الصدقات لمن لا مال له يتصدق به.
أخي لم يعد لنا عذرا فالطريق إلى مغفرة الله مفتوح وجنى الصدقات له ألف باب فاحرص على التصدق بوقتك وجهدك وعملك وتصدق عن صحتك وعن أبنائك وعن زوجتك وعلم أبنائك أن الصدقة ليست بالمال فقط هناك صدقة أعلى من المال لعل الله يتقبل منا ومنك.
فضل زيارة المعاق :
لقد اعتبر الإسلام الإعاقة الذهنية نوع من أنواع المرض وهنا يجب أن نتحدث على فضل زيارة المريض وقد جاء في فضل عيادة المريض قوله صلى الله عليه وسلم( أما انه ما من مسلم يعود مريضا إلا خرج معه سبعون ألف ملك كلهم يستغفرون له حتى يصبح؛ وكان له خريف في الجنة ؛ وان كان ممسيا خرج معه سبعون ألف مللك يستغفرون له حتــى يصبـــح وكــان له خريف في الجنــة) ([33]) .
وقال صلى الله عليه وسلم وهو يحث على تقديم الطعام إلى المريض ( إذا اشتهى أحدكم شيئا فليطعمه) ([34])
كما حثه عليه السلام على الدعاء للمريض: فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتى مريضا أو أتى به إليه قال عليه الصلاة والسلام اذهب الباس رب الناس ، اشف أنت الشافي ، لا شفاء الا شفاءك شفاء لا يغادر سقما ) ([35])
فضل خدمة المعاقين
يحث الإسلام على تولى خدمة المعاقين لما لها من ثواب عظيم ولنا في تعاليم الإسلام الحجة والبرهان ولذلك فإننا نحض كل الناس على رعايتهم في كل مكان يجدونهم فيه في النادي في الشوارع فى البيوت في المراكز والمدارس لعل الله يتقبل منا ويرحمنا وفى هذا يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ( ابغونى فى الضعفاء ، فإنما تنصرون وترزقون بضعفائكم ) ([36])
وقال صلى الله عليه وسلم ( هل تنصرون وترزقون الا بضعافائكم) ([37]) إن هذا الحديث يضع قاعدة للمسلمين ان النصر والرزق ليس بالجد في العمل ولكن النصر والرزق من عند الله جزاءا على رعاية الضعفاء والذي يصنف منهم المعاقين .
وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه فى حادثة الشيخ اليهودي الضرير الذي قال عنه عمر لخازن بيت مال المسلمين( انظر هذا وضربائه . فوالله ما أنصفناه إن أكلنا شيبته ثم نخره عند الهرم)
وروى عن انس رضي الله عنه وأرضاه انه مر رجل برسول الله صلى الله عليه وسلم( فقال رجل من الحاضرين يا رسول الله هذا مجنون ، فاقبل النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الرجل فقال : أقلت مجنون ؟ إنما المجنون المقيم على معصية الله ولكن هذا مصاب)
إن الإسلام دين رحمة للناس كافة قال تعالى ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )
وقال تعالى ( ورحمتي وسعت كل شئ ) ([38]) وقال الرسول صلى الله عليه وسلم ( الراحمون يرحمه الرحمن ، ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء) ([39])
قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : ” كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته “ . وعلى كل من يتصدى لرعاية المعاقين أن يتحمل مسؤولية ما يقوم على أحسن وجه ، وأن تكون عنده القدرة والكفاءة العملية لأداء مهمته ، وهي – بلا شك – مهمة صعبة وشاقة جدا ، تتطلب الكثير من الصبر والحلم .
على من يهتم برعاية المعاقين أن يكون متمتعا بصفات وخصائص معينة ، حتى يستطيع القيام بمهمته على أكمل وجه ، ولا يعد نفسه موظفا يتقاضى مرتبا شهريا فقط ، وألا يكون أداؤه بالأوامر والنواهي من إدارته ، بل يكون من وازع الضمير الإنساني بداخله ، وأتباع أوامر الدين الحنيف . قال الرسول الكريم صلى عليه وسلم ( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه ) .
العاملون في مجال رعاية الأطفال المعاقين، فئة مميزة متنوعة كل متخصص في مجاله ، يجب على كل منهم أن يكون دارسا واعيا فاهما لما يقوم به من عمل ، والحصول على الشهادة العلمية في مجال تخصصه ليس إلا بداية الطريق ،؟ فتطبيق المنهج الدراسي يحتاج إلى التدريب ، والتعليم المستمر هو الطريق إلى أداء المهمات على أكمل وجه ؛ والمعاقين أمانة في أعناق العاملين في هذا المجال، فعليهم أن يحسنوا العمل، ولا يترددوا من كلمة” لا أعرف ” والصدق هو النجاة ، ومن أنار طريقه بالتعليم والتدريب لا يتعثر ، ومن اعتقد أنه يتولى زمام المعرفة فذلك الجهل بعينه، لان العلم لا نهاية له وكل يوم يستجد فيه جديد .
تحمل المسؤولية
العمل مع الأطفال المعاقين (من ذوي الاحتياجات الخاصة ) ، ذو مسؤولية كبيرة على العاملين في هذا المجال ، فمهما كانت الرقابة الإدارية ، فهي تتركز على الحضور والانصراف والرقابة الفنية على ما يكتب في التقارير ، لكن الرقابة الحقيقية تكمن في داخل الفرد نفسه ومقدرته على تحمل القيام بتلك المسؤولية ؛ وتحمل المسؤولية والقيام بها دائما ما تظهر نتائجها الحقيقة على الطفل نفسه ، ولا بد أن نذكر الرقابة الأكبر والأشد .. ستكون يوم الحساب يوم العقاب والثواب يوم ينطق الله عز وجل الأيدي واللسان فمن أساء لهم سيشهد عليه أعضاءه ومن أحسن لهم سينطقون هم وسيكون شفعاء له لأنهم يوم القيامة سيكونوا في أحسن حال لأنهم أفضل منا داخلين الجنة بلا حساب فطوبا لمن أحسن لهم.
الصبر والحلم
العاملون مع الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة ، يجدون الكثير من الصعوبات خلال عملهم ، لكن بالصبر والحلم يستطيعون أن يتغلبوا على الكثير من هذه الصعوبات والعقبات التي تقف في وجه المعاقين، فإذا لم تكن لديهم القدرة في التحكم في الأمور ، فإنه يسبب أضرارا جسمية عليهم ؛ والصبر والحلم لا يأتيان خلال الرغبة فقط ، ولكن من خلال التدريب وترويض النفس البشرية .وذكر الله عز وجل والتحلي بخلق الدين الحنيف والمحافظة على الصلاة
الرحمة
الرحمة صورة إنسانية مميزة – لا يمكن شراؤها كما لا يمكن فرضها – صورها شتى ، فقد تكون من خلال نبرة صوت أو الحركة ، ومفعولها من القلب إلى القلب وقال تعالى ( ربنا وسعت كل شئ رحمة وعلما فاغفر للذين تـابوا، واتبــعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم)([40]) وقال تعالى( وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين)([41])
الإحسان
الإحسان كلمة جامعة ، هي مجموعة الفضائل والأخلاق التي يجب أن يكون عليها المسلم ، وهناك آيات وأحاديث كثيرة تأمر وتحث على التمسك بهذا الخلق الكريم : ” وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ” ، فعلى العاملين مع الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة،التمسك بالإحسان في قول و عمل .
الإيثار
الإيثار خلق إسلامي أمرنا به الدين الحنيف – والآيات والأحاديث في هذا الموضوع كثيرة – قال تعالى ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) ، فالإيثار الخدمة المميزة للأطفال المعاقين ترفع من معنوياته وتساعده على التغلب على إعاقاتهم ، ومن ثم الاندماج مع المجتمع؛ والإيثار يكون على صور عدة ، منها : ” نوعية الخدمة، وكميتها ســواء من الفـــرد أو المجتمـــــع “، وعكس الإيثار ” الأثرة ” وهو يؤدي إلى تفاقم المشكلات وصعوبة حلها .
التاريخ الإسلامي في رعاية المعاقين
إن القران والسنة انتهجا خط واضح حول وجوب رعاية المعاقين وان ثواب رعايتهم ليس له حدود . ونجد أن ما فعله عمر ابن الخطاب رضي الله عنه في خلافته من تدوين الدواوين وتقييد أسماء الناس وفرض العطاء لهم جميعا على اختلاف طبقاتهم ومراتبهم يؤكد فقه في السياسة الشرعية ، ويجسد ما تعلمه من الرسول صلى الله عليه وسلم من السعي في مصالح العباد ، ولذا اثر عنه رضي الله عنه قوله المشهور في المسئولية ( لو مات جمل ضياعا على شط الفرات لخشيت أن يسألني الله عنه) ([42]) .
ولذا اثر عن عمر رضي الله عنه أنه منع المتسول وفرض لذوى العاهات راتبا في بيت المال ، حماية لهم من ذل السؤال. هذا واجب الدول الإسلامية والحاكم نحو رعاية المعاقين.
ولقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك قوله ( انا أولى الناس بالمؤمنين فى كتاب الله عز وجل ، فايكم ما ترك دينا أو ضيعه فادعوني ، فانا وليه ، وايكم ما ترك مالا ليؤثر بماله عصبته من كان) ([43])
كذلك قوله ( من ترك كلا – اى ذرية ضعيفة – فليأتني فانا مولاه)([44])
ولذا نجد ان الفقهاء توسعوا في معنى مصرف مهم من مصارف الزكاة وهو مصرف ( في سبيل الله ) فادخلوا فيه ذوى الاحتياجات الخاصة من مقعدين ومشلولين ومجذومين وأصحاب الأمراض مزمنة حيث ورد في رسالة ابن شهاب الزهري ( رحمه الله) لعمر بن عبد العزيز ( رحمه الله ) وهو يوضح له مواضع السنة في الزكاة ( إن فيها نصيبا للزمني والمقعدين ونصيبا لكل مسكين به عاهة لا يستطيع عيلة ولا تقليبا في الأرض ) ([45])
ولعل موقف الخليفة الأموي عمر بن العزيز خامس الخلفاء الراشدين في رعاية المعاقين دليل أخر على سمو الحضارة الإسلامية والرقى الذي ينادى بع الغرب الآن والذي سبقهم إليهم المسلمين من أكثر من 14 قرن من الزمان لقد كتب الخليفة عمر بن عبد العزيز إلى أمصار الشام طالبا أن يرفعوا إليه ( كل أعمى في الديوان ، او مقعد، او من به فالج ، أو من به داء مزمن يحول بينه وبين الصلاة وعندما فعلوا امر بقائد لكل أعمى وخادم لكل اثنين ممن بهم دجاء مزمن ) ([46])
وفى عصر الخليفة الاموى الوليد بن عبد الملك الذي جعل عزلا خاصا للمجذومين وأجرى عليهم الأرزاق وأمرهم أن لا يسالوا الناس وقدم هذا الخليفة خدمات جليلة للمعاقين فأعطى كل أعمى قائدا وكل مقعد خادما وجعل ديواننا خاصا بالزمني وقال ( لادعن الزمن اجب إلى أهله من الصحيح ) ([47]) . وانشأ المنصور دورا للعميان والأيتام والقواعد من النساء . والى جانب ذلك يروى ابن بطوط ما شاهده في إحدى رحلاته إلى بغداد كيف يؤمر لكل أعمى بكسوة ، وبغلام يقوده ، ونفقه تجرى عليه ، ويشير ممن كتب حول البيمارستانات في الإسلام إشارة واضحة تظهر النظرة الايجابية التي كان ينظر بها أفراد المجتمع الإسلامي للمعوقين إذا أورد أن الوليد بن عبد الملك فد أعطى المعوقين العطايا وأمرهم أن لا يسالوا الناس وأعطى كل مقعد خادما ، وكل ضرير قائدا كما وقع تنظيم علاج الإعاقة فوقع تقسيم الأمراض الباطنة إلى أقسام للمحمومين في المستشفيات وخصصت ربع ريع بعض الأوقاف على مرضى العقول فقد خصص لكل مجنون خادما ينزعان عنه ثيابه كل صباح ويحممانه بالماء البارد ، ويلبسانه ثيابا نظيفة ، ويحملانه على أداء الصلاة، ويسمعانه قراءة القران من قارئ حسن الصوت ؛ ثم يفسحانه فى الهواء الطلق ويسمح له بالاستماع إلى الأصوات الجميلة ([48])
الأحكام الفقهية والإعاقة
لقد خص الإسلام المعاق بمزيد من الرعاية ،وجعل الإعاقة ابتلاء يؤدى بالمبتلى الصابر إلى الجنة ويقول تعالى ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) ولقد جعلت الشريعة الإسلامية الإعاقة كالعمى أو نقص عضو من الأعضاء كاليد أو الساق وغيره ،من الأعذار المبيحة للتخفيف والتيسير من الأحكام الفقهية العملية ،مثل الترخيص في التخلف عن الجهاد في سبيل الله ، ويقول الله سبحانه وتعالى ) ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض ) ..وكذلك وضعت الشريعة لهم أحكاما مخففة في أداء العبادات أو الصلوات مثلا ، فيؤدون نفسا حرج وفق طاقاتهم فى الوضوء والغسل والصلاة من قيام وقعود ، والأصل فى هذا قوله عز وجل (لا يكلف الله.إذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم) ، وقوله صلى الله عليه وسلم (إلا وسعها). وبذلك فلهم عدم حضور الجماعات فى الصلوات لغير الأعمى كالمقعد ،ولهم الإنابة فى الحج للعاجز عن أداء بعض شعائره كرمى الجمرات أو الطواف أو السعي جالسا ، أو سقوط الحج ابتداء عمن لا يمكنه الوصول إلى مكة ،لفقد شرط الصحة وسلامة البدن ، والأمثلة فى هذا السبيل كثيرة ومستفيضة فى المصنفات الفقهية المعتمدة . ومن أبرز حقوق المعاقين فى الإسلام تحريم السخرية والاستهزاء منهم وبهم ، فيقول الله تعالى (لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن.ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان) كما حرم الإسلام وحرم قتلهم فى المعارك الحربية ، كل هذا ونظائره وأشباهه يدلل على تكريم الإسلام للمعاقين
غيران المعاق ذهنيا لا يتمتع بالأهلية التي يتمتع بها البالغ الراشد من الأشخاص العاديين ولا تصح تصرفاته ولا يؤخذ بها فى أغلب الأحيان موضحا أن الأهلية لها عوارض سماوية مثل الجنون والعته والإغفاء والنسيان وعوارض مكتسبة كالسكر والسفه والجهل والخطأ لكن المعاق ذهنيا والمجنون لهما الحق فى الميراث والوصية والاستحقاق في أموال الوقف فى حين يزيل الجنون أهلية الأداء فليس على المجنون شيء من العبادات ولا يصح أداؤها منه ولا يصح أيضا منه تصرف من التصرفات الشرعية ولا يترتب عليه أى أثر. ويضيف أما الإعاقة الذهنية فهو ضعف فى العقل ينشأ عن نقص فى الإدراك والفهم وهو نوعان، الأول : لا يوجد معه إدراك أو تمييز على الإطلاق وهذا النوع حكمه كحكم المجنون فى كل الأحكام أم النوع الثاني فيوجد فيه إدراك وتمييز لكنه لا يصل إلى الإدراك والتمييز الموجودين عند البالغين الراشدين العاديين وهذا يجعل صاحبه كالصبي الذي وصل إلى سن التمييز ويحددها الفقهاء بسبع سنين وهذا النوع أيضا تسقط عنه العبادات لكنه لو أدى شيء منها بأحكامها الشرعية كان أداؤها صحيحا ويثاب عليها وإذا تصرف تصرفا كان من نتيجته حصول المنفعة له نفعا خالصا كان هذا التصرف صحيحا ولا تتوقف صحته على الإجازة من ولى أمره وإذا تصرف تصرفا من التصرفات التي تؤدى إلى الإضرار بماله كان تصرفه باطلا ولو كان ذلك بإجازة ولى أمره أما تصرفاته التى تدور بين النفع والضرر فإنها تكون موقوفة على إجازة ولى أمره فإن أجازها الولي كانت صحيحة وإن لم يجزها الولى كانت باطلة. وللمعاق ذهنيا الحق فى الزواج مثله مثل الأفراد العاديين وهذا حق لهم غير أنه لا يجوز إجبار فتاة على الزواج من معاق ذهنيا حتى لو كانت تربطها به صلة قرابة ويرغب الأهل في تزويجها منه لتقوم برعايته وتحفظ عليه أمواله لأن الأصل في الزواج الاختيار بالإضافة إلى ضرورة توافر الأهلية والكفاءة بين الزوجين. ويطالب معظم الباحثين في الشئون الإسلامية بضرورة إعادة نظام الوقف الأهلي للإنفاق منه على المعاقين ذهنيا لأنه بمثابة الصدقة الجارية التي يجب أن نشجع المسلمين عليها لقوله – صلى الله عليه وسلم (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) كما أن الوقف سنة عن الصحابة – رضي الله عنهم – فعن جابر بن عبد الله أنه قال : ما بقي أحد من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – له مقدرة إلا وقف، مشيرا إلى أن الوقف يمكن من توفير مصدر مالى دائم للمعاقين ذهنيا يلبى احتياجاتهم ومطالبهم طوال حياتهم وهم فى أشد الحاجة لمثل هذا النظام الحضاري الذي وضعه الإسلام ويتميز به عن الأنظمة الوضعية الأخرى.
الوقاية من الإعاقة مطلب إسلامي
لقد حث الإسلام على رعاية المعاقين وجاءت أحاديث كثيرة وآيات قرآنية تحث على ذلك وذهب العلماء بعلم القياس إلى تعظيم رعاية المعاقين في الإسلام ولكن لم يقف الإسلام عند هذا الحد فإننا نجد أن هذا الدين الشامل والكامل وضع من أكثر من 14 قرن من الزمان طرق للوقاية من الإعاقة
الوقاية قبل الزواج :-
أن الزواج ضرورة لاستمرار العنصر البشرى وهنا نجد ان الرسول صلى الله عليه وسلم قد ركز على أهمية اختيار الزوجة الصالحة السليمة من الأمراض حرصا على الأبناء وفى هذا يقول صلى الله عليه وسلم ( تخيروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء ؛ وانطوا إليهم) وهذا يعنى على المسلم ان يختار المراة الخالية من العيوب الخلقية والخلقية وكذلك على المراة ان تفعل ذلك ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( تنكح المراة لأربع : لمالها ؛ ولحسبها ؛ ولجمالها ؛ ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك ) ([49]) . وقال صلى الله عليه وسلم ( تزوجوا الولود الودود ؛ فانى مكاثر بكم الامم يوم القيامة ) ([50])
حكم الفحص الطبي للرجل والمراة قبل الزواج :-
الفحص الطبي قبل الزواج مشروع في الإسلام بقصد الارتباط بزيجة شرعيه تخيم عليها المودة والرحمة استجــابتـه لقــوله تعالى ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ) ([51]) وسواء تم ذلك بمحض إرادة الخاطبين او بإرادة الأمة ممثلة فى أولى الأمر وذلك بهدف الحفاظ على صحة الإنسان وعقله وهو من المقاصد الأساسية قال تعالى ( يأيها الذين امنوا قوا أنفسكم واهليكم نارا ) ([52])
وقال تعالى ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) ([53]) وقوله صلى الله عليه وسلم ( المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف؛ وفى كل خير) ([54])
وقوله صلى الله عليه وسلم ( نعمتان مغبون فيهم الناس : الصحة والفراغ ) ([55])
ان الرسول صلى الله عليه وسلم امرنا بالعلاج للخلاص من المرض قال صلى الله عليه وسلم ( تداووا عباد الله فان الله تعالى لم يضع من داء إلا وضع له دواء غير داء واحد الهرم ) ([56])
ووجه الدلالة أن الحديث يدل على مشروعية التداوى للمحافظة على صحة الإنسان وعقله والفحص الطبي قبل الزواج وسيلة لكشف المرض الوراثى والمعدي وإذا تم اكتشافهما أمكن علاجعهما كما في عامل RH ريساس .
أن الإسلام شرع الفحص الطبي قبل الزواج لأنه يرتكز على الأهداف التالية
1- التنبؤ بحدوث الأمراض التى قد تحصل بعد الزواج والوقاية منها.
2- الحد من نقل الأمراض الوراثية التى قد تنتقل بالزواج .
3- تقييم قدرة كلا من الذكر والأنثى على الإنجاب والحد من المشاكل التي تحدث بعد الزواج.
4- اكتشاف الجينات الوراثية غير الطبيعية عند كلا الخاطبين.
5- المساعدة في إعطاء المشورة للخاطبين وترك حرية الاختيار لهما في إتمام مشروع الزواج أو إلغائه.
زواج الأقارب :
لقد انتشرت ظاهرة زواج الأقارب وقد اثبت العلم الحديث ان العديد من الإعاقات تحدث نتيجة مباشرة لزواج الأقارب ولقد حث الإسلام على البعد وعدم الزواج من الأقارب ونجد هذا فى قوله صلى الله عليه وسلم ( لا تنكحوا القرابة القريبة فان الولد يخلق ضاويا )([57]) وقوله صلى الله عليه وسلم ( الناكح فى قومه كالمعشب فى داره . اى كمن يزرع العشب داخل بيته فيفسده ) وقد علل النبي صلى الله عليه وسلم نهيه هذا بان زواج القرابة القريبة ينتج نسلا ضعيفا قال صلى الله عليه وسلم ( اغتربوا ولا تضووا ) وقد ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه قال لا السائب : قد أضويتم ، فانكحوا النزاع او فى النزائع )
وقد بحث علمائنا الأفاضل مسالة الزواج من القرابة القريبة والمقصود بها هي بنات العم والعمة والخال والخالة وذهب بعضهم إلى مراعاة بعض الأمور عند اختيار الزوجة أن يتوافر فيها :-
الدين والخلق والحسن وخفه السهر والولادة والبكارة والنسب وان لا تكون قرابة قريبة . كما بحثوا مسالة الزواج بالقرابة وعلاقته بضعف النسل فقد ذهب الإمام الشافعي – رحمه الله – الى القول( بأنه إذا تزوج الرجل من عشيرته فالغالب على ولده الحمق )
وقال فقهاء الحنابلة( ويسن نكاح الأجنبية لان ولدها يكون أنجب) ([58])
منع الحمل :-
لقد أجاز الإسلام منع الحمل للضرورة او الحاجة التى تتمثل فى الخوف من إصابة الذرية بالأمراض الوراثية ومن أساليب ذلك العزل وهو جائز للضرورة فعن جابر رضي الله عنه قال ( كنا نعزل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم والقران ينزل )
الإجهاض :-
لا خلاف بين علماء المسلمين على انه إذا تعرضت حياة الأم للخطر بسبب الحمل جاز إجهاض الجنين بغض النظر عن المرحلة التى يكون فيها الحمل شريطة أن لا يؤدى الإجهاض إلى زيادة الخطر على حياتها .
ووجه ذلك : ان حفظ حياة الأم مقدمة على حفظ حياة الجنين ، وحتى لا يكون الجنين وهو فرع – سببا في إعدام الأم وهى اصل. اما عملية إجهاض الأم إذا اكتشف أن الجنين به عيوب خلقية أو انه سوف يولد معاق فإننا أفضل فتوى الشيخ جاد الحق على جاد الحق رحمه الله وملخص الفتوى هي :-
1- اذا كان الجنين لم تنفخ فيه الروح بعد واكتشف العيوب الخلقية وأفاد المختصون ان العيوب خطيرة ولا تتلاءم مع الحياة العادية ولا يمكن علاجها فانه يجوز إسقاط الجنين في هذه الحالة.
2- إذا كان الجنين قد نفخت فيه الروح لا يجوز الإجهاض لأي سبب من الأسباب.
أعلام من المعاقين
شعيب عليه السلام :-
من الأنبياء المكرمين الذين ذكرهم الله تعالى فى القرآن الكريم وكان ضريرا وأرسله الله إلى قوم مدين ([59]).
عمران بن الحصين :-
الصحابي الجليل ابتلى بمرض في بطنه يسمى الاستسقاء وأصيب بالشلل النصفي فقعد فى سريره ثلاثين عاما وهو صابر يحتسب([60])
ابن سيرين :-
هو محمد بن سيرين العالم الفقيه ، كان أصم قصيرا عظيم البطن([61])
عبد الله بن ام مكتوم
صحابي جليل ونزلت فيه آية فى كتاب الله عز وجل وكان يستخلفه الرسول عليه الصلاة والسلام على المدينة عند الخروج الى الغزوات .
عبد الله بن الجموح :-
صحابي جليل كان أعرج وقال يوم احد لأبنائه اننى أرجو أن اطأ بعرجتى هذه الجنة وقتل يومها.
عبد الله بن قوقل الخزاعى :-
صحابي جليل استشهد يوم احد وكان أعرج وقال ( أقسمت عليك رب العزة لا تغيب الشمس حتى اطأ بعرجتى هذه خضر الجنة ) وقال الرسول صلى الله عليه وسلم ( ان النعمان ضن بالله عز وجل خيرا فوجده عند ظنه فلقد رايته يطأ فى خضرها ما به عرج )
عمير الليثى : قطعت رجله يوم حنين.
عمار بن ياسر :- قطعت يده في اليمامة.
نسيبة بنت كعب المازنية :- قطعت يدها فى اليمامة.
الإمام التابعي :
عطاء بن أبى رباح الذي كان ينادى فى الحج ( لا يفتى الناس فى الحج الا عطاء فقد كان اعور أعرج ثم عمى )
الإمام التابعي :– مسروق بن الأجدع كان احدب أشل أعرج.
الشيخ زين الدين على بن احمد الامدى :-
أول من عرف طريقة القراءة باللمس وما عرفت بعد ذلك بطريقة بريل وكان كفيف .
المسيحية و قضية الإعاقة
بادئ ذي بدئ
قضية الإعاقة هي في المقام الأول قضية إنسانية ذات حساسية شديدة الخصوصية..
لأنها تخص بل و تمس قطاع معين من الناس …الذين لم يمن عليهم القدر … بأن يكونوا مثل سائر البشر…فعاشوا حياتهم مختلفين بعض الشيء عن غيرهم … مما يدفعنا لأن ننظر إليهم مجرد نظرة إشفاق و عطف فقط .. فهذا وحده لا يكفي ..و إنما بالأحرى نراهم بعين الاعتبار و الاحترام و التقدير …
ساعين نحوهم و إليهم بكل ما نملك من طاقات و إمكانات و إبداعات لأجل تخفيف وطأة الحياة عنهم ما أمكن .. حتى يروا أنفسهم مثلنا سواء بسواء .. فهم أولا و قبل كل شيء أخوة لنا في شجرة العائلة البشرية بمفهومها العام ..
و من يدرى فلولا مراحم الله الغنية التي افتقدنا بها من السماء لتبادلنا معهم الأدوار … فأخذنا نحن موقعهم و أخذوا هم موضعنا .. لكنها إرادة الله و مشيئته العجيبة والتي لا يمكن لبشري أن يقترب منها و يفك طلاسمها …
هنا دعونا نتناول معكم هذه القضية انطلاقا من سبعة محاور محورية كالآتي :
أولا :- الإعاقة في القاموس العربي..
ثانيا :- الإعاقة في الكتاب المقدس..
ثالثا :- دلائل الاهتمام بالإعاقة..
رابعا :- الإعاقة مشكلة قدرية..
خامسا :- للإعاقة صور و أشكال شتى..
سادسا :- المسيحية و مواجهة الإعاقة..
سابعا :- الإعاقة و منظومة علاجها..
الإعاقة في القاموس العربي
ورد في المعجم الوجيز الصادر عن مجمع اللغة العربية تحت كلمة “الإعاقة” ما يلي ..
* عاقه عن الشيء .. أي منعه و شغله عنه
* أو (تعوق عن) .. أي امتنع عنه و تثبط من ..
* جمعها (عوائق) فنقول (عوائق الدهر) أي شواغله و أحداثه
* أما كلمة (يعوق) فهي اسم صنم كان يعبده الناس قديما في أيام الجاهلية..
* و لعله من هنا جاءت عبارة (عوائق الإيمان) أي الأشياء التي تبعدنا عن الله خالق الكون و مدبر الكل ..
الإعاقة في الكتاب المقدس
بمتابعة عملية البحث و الفحص و الدرس في صفحات الكتاب المقدس بعهديه القديم و الجديد .. اكتشفنا أن كلمة “الإعاقة” بمشتقاتها المختلفة .. لم ترد كثيرا في الكتاب .. و إنما جاءت شزرا هنا و هناك …
«و على سبيل الحصر و التحديد وردت في الكتاب المقدس ككل نحو تسع مرات.
* 3 منها في العهد القديم ..
* 6 منها في العهد الجديد
– أما في العهد القديم فقد وردت هكذا
1- سفر تكوين 56:24
جاءت على لسان اليعازر الدمشقي رئيس خدم إبراهيم ذاك الذي أرسله سيده ليختار زوجة لابنه إسحق .. فوقع الاختيار بعلامة معينة على رفقه .. و لما أراد إخوتها أن يستضيفوا عبد إبراهيم لديهم عدة أيام قال لهم مستعجلا “لا تعوقوني و الرب قد أنجح طريقي”
2- سفر قضاه 13 : 15،16
وهنا و ردت هذه الكلمة مرتين .. و ذلك عندما ظهر ملاك الرب في صورة إنسان لمنوح و امرأته عندما بشرهما بميلاد ابنهما شمشون الجبار و قد أراد منوح أن يكرمه قائلا “دعنا نعوقك و نعمل لك جدي معزي فقال ملاك الرب لمنوح و لو عوقتني لا آكل من خبزك و إن عملت محرقه فللرب اصعدها لان منوح لم يعلم أنه ملاك الرب”
– أما في العهد الجديد فقد وردت هكذا ..
1- سفر الأعمال 24 : 4
عندما انحدر حنانيا رئيس كهنة اليهود للشكاية ضد بولس الرسول أمام ” فيلكس الوالي”.. و قد اصطحب معه خطيبا مفوها اسمه “ترتلي” فابتدأ ذاك يعرض قضيته أمام الوالي قائلا “لكن لئلا أعوقك أكثر التمس أن تسمعنا بالاختصار بحلمك”
2- رسالة رومية 15 : 22
و فيها يوجه الرسول بولس خطابه إلى مؤمني كنيسة رومية معتذرا لهم عن عدم تمكنه من افتقادهم و العودة إليهم قائلا “كنت أعاق المرار الكثيرة عن المجيء إليكم”
3- رسالة كورنثوس الأولى 19 : 12
هنا يتكلم ماربولس مع مؤمني كورنثوس معلنا لهم حقه و سلطانه عليهم من جهة اهتمامهم بأموره المادية و الشخصية الخاصة غير إنه ترفع عن ذلك بقوله “لكننا لم نستغل هذا السلطان بل نتحمل كل شيء لئلا نجعل عائقا لإنجيل المسيح”
4- رسالة تسالونيكي الأولى 2 : 18
أما في هذه الرسالة فيلفت أنظار مؤمني هذه الكنيسة بأنه كم حاول أكثر من مرة المجيء إليهم غير أنه منع بواسطة الشيطان فراح يقول “لذلك أردنا أن نأتي إليكم أنا بولس مرة أو مرتين و إنما أعاقنا الشيطان”
5- رسالة بطرس الأولى 3 : 7
و هي تمثل نصيحة معلمنا القديس بطرس إلى جماعة المؤمنين من الرجال و هو يحذرهم من الصدام مع زوجاتهم قائلا “كذلك أيها الرجال كونوا ساكنين بحسب الفطنة (الحكمة) مع الإناء النسائي كالأضعف معطين إياهم كرامة كالوارثات أيضا معكم نعمة الحياة لكي لا تعاق صلواتكم”
الإعاقة مشكلة قدرية مذهلة
لا جدال أن إعاقة الإنسان أي إنسان بأي شكل من الأشكال .. سواء ولد هكذا من بطن أمه .. أو أصيب بذلك فيما بعد .. إنما هو في جملته و تفصيله يرجع أول ما يرجع إلى سماح الله بذلك ..
و طالما سمحت إرادة الله بمثل هذا أو بذاك فما على الشخص المؤمن إلا أن يقبل ذلك بكل الرضي و الشكر .. واضعا الأمر بالكلية بين يدي القدير فهو وحده المعين … و إن لم يفعل المؤمن ذلك .. وراح يشكو للدنيا كلها متذمرا أو محتجا .. فهل احتجاجه يغير من واقعه شيئا ؟! .. “ألعل الجبلة تقول لجابلها لماذا خلقتني هكذا “
إن تصاعد الشكوى يزيد المشكلة صعوبة و تعقيدا .. إن لم يكن على المستوى الفعلي فعلى الأقل على الصعيد النفسي ..
إذن حري بالإنسان العامل في مثل هذه المواقف أن يسلم الأمر بكامله إلى الله واضعا يده على فمه مرددا مع النبي القائل “صمت يا رب لا أفتح فمي لأنك أنت فعلت”مز 39 : 3 منشدا هذه العبارة الحلوة “هو الرب و ما يحسن في عينيه يفعل”
صارخا مع أيوب البار “الرب أعطى الرب أخذ فليكن اسم الرب مباركا” أي 1 : 21
هذا هو الدرس الذي يحتاج أن يستوعبه أولا المعاق نفسه .. كما يحتاج إليه كل من حوله من أهله و عائلته و كذلك المسئولين عنه والعاملين معه ..
إنها من قدريات الحياة التي لا نملك بإزائها إلا أن نصمت .. و نصمت فقط !!!..
«غير أن الأمور ليست في مطلقها تخضع لمنهج القدرية البحتة ..
حيث أن هناك عوامل أخرى مساعدة قد تؤدي على تفشي ظاهرة الإعاقة بصورة مخيفة.. نذكر منها على سبيل المثال.. مسئولية الإنسان نفسه.. أو المسئولين عنه.. أو مسئولية الدولة بأجهزتها المعنية.. أو مسئولية المجتمع بأسره..
من هذه العوامل نذكر الآتي
1- انتشار الأمراض الوراثية :-
تلك التي تنتقل للإنسان عبر الدم أو بالوراثة عن طريق الجينات.. وقد تظل سارية المفعول في جميع الأجيال من جيل إلى جيل.. تاركة من ورائها آثارا و أطلالا و حطاما…
الأمر الذي يستلزم تدخل فوري من وزارة الصحة لدراسة الظاهرة و تحديد أبعادها و محاولة التصدي لها بكل الجدية و الحزم بعيدا كل البعد عن حفلة المزايدات الكاذبة و الشعارات الخادعة (كله تمام يا أفندي) (الوضع مستقر تماما) (معاليك ما تقلقش) … الخ
و إلى جوار وزارة الصحة يأتي دور وزارة الإعلام .. من حيث وضع الخطط الإستراتيجية الهادفة و التناول الموضوعي لمناقشة هذه القضية و طرحها على أصحاب الاختصاصي .. ثم تسويقها إعلاميا عن طريق الإذاعة و التليفزيون و الجرائد و المجلات و الملصقات …. الخ
2- ضعف الحالة الاقتصادية :-
«لا نقاش أن هناك علاقة وثيقة الصلة بين (الفقر) و (الإعاقة)
حيث أن انحصار الحالة الاقتصادية يؤثر سلبا على الحالة الصحية .. مما يؤدي في النهاية إلى ظهور حالات متنوعة من الإعاقات المختلفة ..
كذلك فإن العوز المادي يعيق أهالي ذوي هذه الحالات من إمكانية علاجها في بداية نشأتها .. مما يسفر عنه مع الوقت إلى تشبث المرض بصاحبه و سريانه ممتزجا مع دمه في عروقه ..
و تأكيدا لما سلف القول .. نجد أن معدل حالات الإعاقة بأنماطها المختلفة و لدى الدول الفقيرة و النامية .. أكثر بكثير جدا من معدلاتها لدى الدول الغنية المتحضرة …
إنها مأساة الفقر التي غالبا ما تثمر مأساة أخرى أكثر خطورة و أعنف شراسة .. ألا و هي معاناة المرض …
فإذا أردنا استئصال مشكلة المرض من جذورها و ما يتبعها من إعاقات فلنبدأ برفع معدل الدخل الاقتصادي لدى الأفراد بما يكفل لهم حياة كريمة سليمة مستقيمة قويمة ..
وهذه بلا جدال هي مسئولية الدولة بكل مؤسساتها و أجهزتها ووزاراتها المختلفة .. وبخاصة وزارتي الاقتصاد و التموين و ما يتمخض عنهما من قوانين و قرارات و إصدارات و تشريعات و تدعيمات …
3- غياب الثقافة الفكرية :-
إذا كانت الأمراض الوراثية تتعلق بالمرض .. و الحالة الاقتصادية تتصل بالفقر فإن الثقافة الفكرية تختص بالجهل …
و هذا هو مثلث الرعب لدى كل بني البشر (المرض + الفقر + الجهل) فإذا ما اجتمع أضلاع هذا المثلث لدى أمه من الأمم أو شعب من الشعوب فقل عليه السلام ..
عن الجهل الديني قال الوحي الإلهي ..“هلك شعب من عدم المعرفة” هو 4 : 6 وقال أيضا “قال الجاهل في قلبه ليس إله” مز 14 : 1 .. و قال عن الجهال إنهم “يموتون بعدم المعرفة” اش 5 : 13..
أما عن الجهل الثقافي .. فيقول المثل الشعبي (العلم نور و الجهل ظلام) .. ويقول الشاعر العربي (من علمني حرفا صرت له عبدا) .. و نقول نحن (لا ثقافة بغير كتاب)
و نقول أيضا (القراءة مفتاح المعرفة) ..
«نعم فالمعرفة الفكرية هي التي تميز الإنسان عن الحيوان ..
و مما هو جدير بالملاحظة في هذا الصدد .. أن عالم الحيوان هو كما هو منذ أن خلقه الله .. و سيظل هكذا (إلى أن يرث الله الأرض و من عليها) .. أما عالم الإنسان فهو دائما و أبدا في حالة ترقي مستمر .. يتدرج سلم المعرفة من جيل إلى جيل و من زمن إلى زمن .. حتى صار للعلم في بعض فروعه إنجازات بلغت حد المعجزات ..
كما هو الحال في مجال الفن و الأـدب و الطب و الفلك و الصيدلة .. و ما إلى ذلك من تكنولوجيات مبهرة .. و أقمار صناعية و فضائيات و كمبيوتر و انترنت و الموبايل و شبكات اتصالات .. و أسلحة دمار شامل (ذرية و بيولوجية و هيدروجينية)
إن غياب الثقافة عن الساحة الإنسانية سيؤدي في النهاية إلى حدوث كارثة كونية تهدد حضارة المجتمع و سلامة البشر .. بما يصيبهم من معوقات ليست فقط بيولوجية و عضوية .. و إنما أيضا فكرية و معرفية ..
دلائل الاهتمام بمشكلة الإعاقة
– و لو أن هذا الاهتمام بدأ لدينا في مصر متأخرا بعض الشيء .. إلا انه على كل حال اهتمام بالغ الروعة .. تشكر عليه كل الجهات المختصة .. سواء كانت الدولة بصفتها الرسمية .. أو الهيئات ذات الصفة الخصوصية ..
غير أن هذا الاهتمام يحوي في ثناياه العديد من المعاني و الدلائل التي تحمل عمقا و بعدا ..
فما هي إذن هذه الدلائل ؟..
إنها كثيرة جدا و متنوعة للغاية لكننا نود أن نوجزها في محاور ثلاث..
– المحور الأول :- التحضر الإنساني البناء …
ففي العصور الغابرة وقت أن كانت البشرية تتخبط في دهاليز الجهل و خنادق التخلف و مواطن الرجعية .. لم يكن هناك أدنى اكتراث بمشكلة الإعاقة .. فقد كان الوضع يكاد يكون طبيعيا و سياديا في نفس الوقت ..
أما الآن و مع عصر النهضة الحديثة و الثورة العلمية و ترقي الشعوب و الأمم و الدول و الأفراد .. فقد بدأ الإنسان يهتم بأخيه الإنسان ولاسيما بمن هو في مسيس الحاجة لمن يأخذ بيده و يقوده إلى سواء السبيل …
و لعل في هذا مؤشرا فريدا على ارتقاء درجات السمو الإنساني بشكل رائع .. مما يجعلنا نستبشر خيرا من جهة المستقبل …
نقول ذلك ردا على أولئك الذين يتطلعون إلى الغد فيتصورونه كئيبا حزينا بفضل نظرتهم السوداوية و رؤيتهم التشاؤمية ..
– المحور الثاني :- الإيمان بقيمة الإنسان …
لقد أخطأت الماركسية و الشيوعية الملحدة عندما نظرت للإنسان فرأته مجرد ترس صغير في آلة المجتمع الكبير و بذلك حقرت من شأنه و ضآلة من قدره ..
«كما من الخطأ أيضا أن يقيم الإنسان على أساس ما يملك من أشياء …
إنما قيمة الإنسان في ذاته .. تلك التي تعرف (بالقيمة الذاتية)
التي تنبع من كونه مخلوق إلهي متميز قد أبدعه الله في أحسن تقويم عندما جبله على صورة كشبهه و مثاله .. ثم سلطه على كل ما في الكون فصار سيدا على الخليقة و خليفة الله في أرضه …
« إن قيمة الإنسان تنحصر في خمسة اتجاهات…
1- قيمة الإنسان في روحه …
إنها الروح التي استودعها الله فيه يوم أن خلقه .. و بواسطتها وهبت للإنسان أعظم نعمتين (الوجود) و (الخلود) ..
الوجود .. هنا على الأرض ..
الخلود .. هناك وراء الموت ..
2- قيمة الإنسان في عقله …
إنها الجوهرة الثمينة التي بها ينفرد المرء عن بقية الخلائق الأخرى من جمادات ونباتات و حيوانات و طيور .. تلك التي لا تعقل و بالتالي لا تنطق
إن عقل الإنسان هو سر الإبداع فيه..
3- قيمة الإنسان في قلبه …
قلبه الخفاق ليس فقط بكميات الأكسجين و الدم و إنما أيضا بكل المشاعر الدافئة التي تتراقص في أعماقه .. من حب و كراهية .. من قبول و رفض .. من رضا و نفور .. من ارتياح و اشمئزاز …
4- قيمة الإنسان في إرادته …
هذه الإرادة العجيبة التي تمنحه نعمة الحرية فيتصرف بحرية كاملة دون أن يقيده أحد .. إنها الحرية التي تضعه في موضع المسئولية عن كل إصداراته من فكر و نطق و فعل …
5- قيمة الإنسان في ضميره …
ذلك الصوت الإلهي الصارخ الذي يسكن أعماقه و يتغلغل كيانه ..
فيشجعه عندما يصيب و يوبخه وقتما يخطئ .. إنه الشريعة المكتوبة لا على حجر ولا على ورق و إنما على صفحات العقل و القلب و الإرادة و الحياة …
– المحور الثالث :- التعاطف الإيجابي الفعال
ما أعجب مواقف الناس تجاه حالة معاق يرونه في طريق الحياة ..
« هناك من لا يلتفت ولا يكترث ولا يتحرك ولا يهتم كأنه من جماد
« و منهم من يرى و يستغرب و يندهش مستعجبا ثم يمضي في ذهول ..
« و هناك من يشمئز و ربما يسخر و يتهكم في تطاول سخيف ..
« و منهم من يتأثر في قلبه و ينفعل في نفسه مكتفيا بهذا فقط ..
« و هناك من تأخذه نار الغيرة و المحبة فيتحرك و يعمل بكل قوة..
أتراك من أي نوع أنت ؟!!!..
أن التعاطف العاطفي في مثل هذه الحالات وحده لا يكفي .. و إنما يقتضي الأمر تحرك ديناميكي إيجابي نحو الآخر .. بهدف الاحتضان و التخفيف و المساعدة قدر المستطاع .. إن لم يكن ماديا فعلى الأقل معنويا ..
« إن المشاعر الإنسانية حتى و إن كانت هي الركيزة الأساسية وراء كل عمل صالح بناء .. لكنها بمعزل عن الفعل الإيجابي تصبح مجرد أمنيات و تمنيات لا أكثر ولا أقل ..
و لولا أن تحولت وجدانيات الناس إلى طاقات حقيقية حية فعالة .. ما وجدت المدارس ولا المستشفيات ولا بيوت الإيواء ولا الحضانات ولا دور العبادة ولا الجمعيات الخيرية ولا مؤسسات البر .. ولا شيئا من كل هذا ..
إن الأغاني بغير عمل لونا من أحلام اليقظة ..
للإعاقة صور و أشكال شتى
من الأخطاء الشائعة بين العامة أن تنحصر مشكلة الإعاقة في قالب جامد محدد دون سواه …
إذ أن للإعاقة أنماط كثيرة نذكر من بينها …
1- الإعاقة الجسدية :-
كالشخص المشلول أو العاجز أو الأقطع .. الذي لا قدر له على الحركة .. أو كالأعمى مثلا أو الأصم أو الأخرس .. الذي فقد كل أو بعض من حواسه الخمسة
«ولعل هذه هي أبسط أنواع الإعاقة..
2- الإعاقة الروحية :-
التي تنجم عن إنسان ماتت روحه من الداخل حتى و إن كان لا يزال حيا يتحرك و يتكلم و يمشي و يعمل .. إنه ميت روحيا باغترابه عن الله بسبب خطاياه “لك اسم انك حي و أنت ميت”رؤ 3 : 1
«ولعل هذه هي أخطر أشكال الإعاقة ..
3- الإعاقة الأخلاقية :-
و هي تظهر بصورة جلية في سلوك الفرد و تصرفاته الخاصة .. من انحلال في الأخلاق .. و انقلاب في اللسان .. و تسيب في القيم .. و موت في الضمير .. وتصرف عشوائي غوغائي شهواني حيواني جسداني …
«ولعل هذه هي أحط صور الإعاقة..
4- الإعاقة الاجتماعية :-
هذه التي يعيش فيها المرء منغلقا على ذاته منطويا على نفسه منزويا عن الناس دون أن يرتبط بأحد على الإطلاق.. يحيا بلا صديق ولا وفيق .. ولا زميل ولا شريك .. و كأنه حبيس في سجن انفرادي .. إنه سجن الأنا و قفص الذات..
«ولعل هذه هي أسخف أنواع الإعاقة..
5- الإعاقة العلمية :-
إنها إعاقة الجهل و عدم معرفة أي شيء عن أي شيء بالمرة .. هذه التي يظل فيها الإنسان كما هو منذ خروجه من بطن أمه حتى دخوله إلى قبره .. و كأنه ليس بإنسان على الإطلاق بل قول إنه حيوان في جسم إنسان ..
«ولعل هذه هي أسوأ حالات الإعاقة..
6- الإعاقة النفسية :-
تلك التي يعاني فيها بعض المرضى النفسانيون بما يحاصرهم من شعور بالإحباط و اليأس والخوف والعجز و الفشل و الكراهية و الحقد .. إلى أن يصل الشخص إلى حالة (انعدام المعنى) فيفقد معنى وجوده ومعنى حياته ..
«ولعل هذه هي أصعب ألوان الإعاقة..
7- الإعاقة الفكرية :-
و هي بلا شك أعلى عدة درجات من الإعاقة العلمية .. فهي ليست جهلا وإنما تخلفا..
و المقصود “بالتخلف” أي عدم مسايرة العصر و الانحباس الفكري في الزمن الرجعي فضلا عن كونها صورة من صور الظلامية و الضبابية التي يعشقها البعض
«ولعل هذه هي أقصى درجات الإعاقة..
المسيحية و مواجهة الإعاقة
مسيحيتنا كديانة إلهية سمائية تحمل في عمق أعماقها قوة فاعلة دافعة للإنسان أينما كان في كل زمان و مكان .. لكي يستطيع من خلالها أن يواجه كل مشكلات الحياة اليومية وتحدياتها القاسية بكل حكمة و استنارة و يقظة و ثبات ..
ترى ماذا قدمت المسيحية في تصديها لقضية الإعاقة ؟
لا شك إنها قدمت الشيء الكثير من خلال قنوات ثلاث..
«شخص الرب يسوع المسيح ..
«الإنجيل المقدس وحي الله ..
«الآباء الرسل القديسين الأطهار ..
«من هذا المنطلق نتناول أهم الدوائر و المجالات التي خاضتها المسيحية أثناء تصديها لمشاكل الإعاقة بكافة صورها وأشكالها المتنوعة …
أولا :- المسيحية و عائق الإحراج :-
لقد تصدى الرب لهذه القضية على الأقل في موقفين ..
1- في عرس قانا الجليل (يوحنا 2 : 1 – 11) …
عندما فرغت الخمر لدى أهل العرس بسبب كثرة المدعوين و عندما لاحظت العذراء مريم ذلك تدخلت بكل مالها من واله و مكانه لدى ابنها الحبيب طالبت منه أن يتصرف في الموقف ..
فإذا بيسوع يأمر الخدام أن يملئوا الأجران ماء فلما ملئوها قال لهم استقوا الآن .. فلما شربوا عرفوا أنها خمر جيدة غير مسكرة .. مع ملاحظة أن السيد المسيح قد فعل هذا دون صلاة أو دعاء أو حتى أمر أو نطق ..و إنما فقط في صمت ..و صمت فقط ..
2- بطرس و السمكة و الاستار (متى 17 : 24 – 27) …
عندما جاء جباة الضرائب يطلبون من بطرس الرسول أن يدفع الجزية عن نفسه و عن معلمه الأعظم .. و إذ لم يكن الرب يملك مالا قال لبطرس بثقة مذهلة “اذهب إلى البحر و الق صنارة و السمكة التي تطلع أولا خذها و متى فتحت فاها تحت استارا (عملة نقدية) فخذه و أعطهم عني و عنك”
ثانيا :- المسيحية و عائق الاحتياج :-
الله إلهنا في روعة محبته و رأفة أبوته لا يحتمل إطلاقا أن يرى إنسانا محتاجا إلى شيء من ضروريات الحياة .. فإذا كان هو يهتم بطيور السماء و زنابق الحقل و كل ما يدب على وجه الأرض .. أفلا يهتم بمخلوقه الأكرم الذي يسمونه الإنسان ..
فلقد تصدى الرب لمشكلة الاحتياج الإنساني دفعتين ..
1- صيد السمك للمرة الأولى (لوقا 5 : 1 – 11) …
و ذلك عندما حاول سمعان بطرس و رفقائه الصيادين في ليلة ليلاء أن يصطادوا شيئا لكن دون جدوى .. و لما طلع النهار خرجوا من السفينة و غسلوا الشباك .. غير أن سيدنا له المجد أمرهم قائلا “ابعد إلى العمق و القوا شباككم للصيد” فقال له بطرس “يا معلم تعبنا الليل كله و لم نأخذ شيئا ولكن على كلمتك ألقي الشبكة” و لما طرحها مرة واحدة اصطاد سمكا كثيرا جدا حتى امتلأتا السفينتين و كادتا أن تغرقا .. حينئذ سجد له بطرس معترفا “اخرج من سفينتي يا رب لأني رجل خاطئ”
2- صيد السمك للمرة الثانية (يوحنا 21 : 1 – 11) …
هناك عند بحر طبرية بعد قيامه الرب من بين الأموات .. و قد حاول سبعة من تلاميذه أن يصطادوا سمكا في تلك الليلة فلم يستطيعوا البتة .. حينئذ ظهر لهم يسوع و قال لهم “القوا الشبكة إلى جانب السفينة الأيمن فتجدوا” و لما طرحوها لم يقدروا أن يجذبوها من كثرة السمك الذي ملأها .. فقد اصطادوا 153 سمكة كبيرة دفعة واحدة ..
«إنه الرب الذي أعال الأرملة في القديم بواسطة نبيه اليشع و دهنه الزيت (2 مل 4 : 2 – 7)
ثالثا :- المسيحية و عائق الجوع :-
الله يتصدى لقضية الجوع بشكل رائع .. فهو الذي عال شعبه قديما بواسطة المن و السلوى في البرية أربعين سنة (خروج 16) .. و اهتم بنبيه إيليا عن طريق الغربان التي كانت تأتيه بالخبز و اللحم صباحا و مساءا (1 مل 17 : 6) .. و أشبع المائة رجل بعشرين رغيفا على يد النبي اليشع …
نجده في العهد الجديد بعد التجسد يفعل ما هو أعظم و أعظم …
1- أشبع الخمسة آلاف رجل من الخمسة أرغفة و السمكتين ( متى 14/ ق 6/ لو 9/ يو 6)
أنهم خمسة آلاف رجل فيما عدا النساء و الأولاد .. و بناءا على ذلك نستطيع أن نقول أن عددهم الإجمالي لا يقل بأي حال عن 15000 نفس .. كل هؤلاء “أكلوا و شبعوا” و دليل الشبع أن فضل عنهم “اثنتي عشر قفة مملوءة من الخبز و من السمك” .. أي أضعاف أضعاف الرصيد الأولي المستخدم في المعجزة أصلا .. إنها معجزة خلق ..
2- إشباع الأربعة آلاف رجل من سبعة أرغفة و قليل من صغار السمك (متى 15/ق 8)
هذه الآلاف الأربعة فيما عدا النساء و الأطفال فلنضيف إليهم أربعة آلاف امرأة ..و كذا أربعة آلاف طفل .. يكون المجموع الكلي .. لا يقل إن لم يزد عن 12000 نفس جميعهم أكلوا و شبعوا و فضل عنهم سبعة سلال مملوءة من الخبز و من السمك ..
رابعا :- المسيحية و عائق السجن :-
لا مناص أن السجن يمثل أكبر عائق يقيد حرية الإنسان في التحرك و التنقل كيفما يشاء .. غير أن سيدنا المسيح له المجد قد تصدى لعوائق السجن بواسطة ملاكه ثلاث مرات كما هو مدون في سفر الأعمال
1- إنقاذ فردي لتلميذه بطرس الرسول (اع 12 : 6 – 17)
و ذلك عندما طرحه هيرودس الملك في السجن مربوطا بين عسكرين بسلسلتين كما كان هناك أيضا حراسا قدام الباب الخارجي .. فإذا بملاك الرب يوقظ بطرس من النوم فتسقط عنه السلاسل و تنفتح له الأبواب و يخرج من السجن و يعود إلى الرسل حيث كانوا مجتمعين في علية صهيون ..
2- إنقاذ ثنائي لكل من بولس و سيلا في فليبي (اع 16: 19 – 40)
فعندما طرد الرسول بولس الروح الشرير من المرأة العرافة طرح مع سيلا في سجن فيلبي .. و قد ضبطت أرجلهما في المقطرة .. و بينما هما يسبحان الله حدثت زلزلة عظيمة تزعزعت لها الأساسات .. وانفتحت الأبواب وانفكت القيود .. و لما رأى حافظ السجن ذلك كاد أن يقتل نفسه منتحرا لولا أن طمأنه مار بولس بأن أحدا لم يهرب و بهذا اقتاده إلى الإيمان هو و أهل بيته ..
3- إنقاذ جماعي لجماعة الأدباء الرسل بواسطة ملاكه (اع 5 : 17 – 23)
حدث ذلك عندما ألقى جنود رئيس الكهنة الأيادي على الآباء الرسل و وضعوهم في السجن تحت حراسة مشددة .. غير أن ملاك الرب أتى ليلا و فتح أبواب السجن و أخرجهم .. و لما جاء الصباح أرسلوا في استدعائهم فلم يجدونهم .. بل رأوا السجن مغلقا كما هو بينما الرسل خارجا وسط الناس ..
خامسا :- المسيحية و عائق الخوف :-
بكل تأكيد عائق الخوف من أهم العوائق المعطلة لمسيرة الإنسان في الحياة .. فهو عائق محوري يصيب صاحبه بنوبات من الرعب مما يضطره في كثير من الأحيان إلى التقهقر نحو الوراء ..
و سيدنا رب المجد تصدى لهذا العائق خاصة عندما وجده استولى على قلوب تلاميذه وقتما كان معهم في السفينة .. حين هبت الرياح و ماجت الأمواج حتى كادت أن تغرق لولا أن صرخوا إلى يسوع قائلين “يا سيد نجنا فإننا نهلك” فإذا بالرب يوبخهم قائلا “ما بالكم خائفين يا قليلي الإيمان” ثم قام و انتهى الريح و البحر فصار هدوء عظيم
أما تعليق الإنجيل على هذه المعجــــزة فقد جـــاء في هــــذه العبارة ” فتعجب الناس قائلين أي إنسان هذا فإن الريح و البحر جميعا تطيعه”
على أن هذه ليست هي المرة الوحيدة التي يحارب فيها الرب يسوع عائق الخوف فهناك مواقف كثيرة قال لنا فيها “ثقوا أنا هو لا تخافوا” متى 14 : 17 بل قال ما هو أكثر “لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد و لكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها بل خافوا بالحري من الذين يقدر أن يهلك النفس و الجسد كليهما في جهنم” متى 10 : 28
سادسا :- المسيحية و عائق الصرع :-
الصرع أساسا مرض نفسجسداني يسمى (سيكوسوماتيك) ..يعرض صاحبه لكثير من المخاطر .. ونادرا ما ينجح الطب في علاجه بشكل قاطع
بيد أن سيدنا له المجد عندما تصدى للصرع صرعه .. وذلك عندما جاء إليه رجل ابنه مصروع .. كان قد سبق أن قدمه للتلاميذ فلم يقدروا أن يشفوه ..إلا إنه عندما توجه للمعلم الأعظم و شكي له حال ابنه .. و كيف كان الشيطان يطرحه في النار ليحرقه ثم يلقيه في الماء ليغرقه .. ” فانتهره يسوع فخرج منه الشيطان فشفي الغلام من تلك الساعة متى 17 : 14 – 21
سابعا :- المسيحية و عائق الصمم :-
قطعيا الصمم عائق بالغ القسوة .. إذ يجعل الإنسان منفصلا بالتمام عن كلما يحدث حوله .. فيرى الأحداث تجري أمام عينيه لكنه لا يسمع حوارات المتحدثين .. علاوة على ذلك فإنه غالبا ما لا يقدر أن يتكلم حيث أن الصمم مرتبط أيضا بالخرس ..
و قد تصدى رب المجد لعائق الصمم عندما جاءوا إليه بأصم أعقد و طلبوا إليه أن يضع يده عليه .. فإذا بيسوع ينتحي به جانبا “و وضع أصابعه في أذنيه و تفل و لمس لسانه .. و قال له انفتح فللوقت انفتحت أذناه و انحل رباط لسانه و تكلم مستقيما مر 7 : 31 – 36
ثامنا :- المسيحية و عائق الحمى :-
الحمى مرض عضوي ترتفع فيه درجة حرارة الإنسان بصورة ملحوظة مما قد يهدد حياته بالموت..
هذا و سيدنا له المجد قد تصدى لعائق الحمى مرتين
1- عند شفائه ابن خادم الملك ( يو 4 : 46 – 53)
فقد كان ابنه مريضا بحمى شديدة لدرجة أنه كان “مشرفا على الموت”
و طلب من يسوع قائلا “انزل قبل أن يموت ابني”فطمئنه بعبارة “ثق ابنك حي” .. فآمن الرجل بالكلمة التي قالها له يسوع .. و لما رجع إلى بيته وجد ابنه معافى .. و إذا استخبر عن وقت شفائه عرف أنها نفس اللحظة التي قال فيها يسوع “ابنك حي” فآمن هو و كل بيته ..
2- شفاء حماة سمعان بطرس ( لو 4 : 38 – 39)
و في هذا يسجل الإنجيل
“و لما قام (يسوع) من المجمع و دخل بيت سمعان و كانت حماة سمعان قد أخذتها حمى شديدة فسألوه من أجلها فوق قوتها و انتهر الحمى فتركتها في الحال قامت و صارت تخدمهم”
تاسعا :- المسيحية و عائق البرص :-
مشكلة هذا المرض بالذات أنه مرض مزدوج ..
فهو من ناحية يعتبر مرض جلدي يصيب أكبر مساحة من جسد الإنسان
و من ناحية أخرى يحسب مرض روحي إذ أن ناموس العهد القديم يعتبره نجاسة
« و لذلك نجد حامله منبوذا من الناس فلا يختلط بأحد على الإطلاق حتى أقرب المقربين إليه .. فكل من يلمسه يتنجس بنجاسته …
« أمام هذا المرض انتصر الرب بقوته مرتين
1- عندما شفى أبرص بشكل فردي (متى 8 : 2 ، 3)
و في هذا يقول الإنجيل …
“و إذا أبرص قد جاء و سجد له قائلا (بثقة) يا سيد إن أردت تقدر أن تطهرني (قدرة مطلقة) فمد يسوع يده و لمسه (دون أن يتنجس ببرصه) قائلا أريد فاطهر و للوقت طهر برصه” ..
2- عندما شفي عشرة برص بشكل جماعي (لو 17 : 11 – 18)
و في هذا يقول الإنجيل …
“و فيما هو (يسوع) داخل قرية استقبله عشرة رجال برص فوقفوا من بعيد (ممنوع الاقتراب) و رفعوا صوتا قائلين يا يسوع يا معلم ارحمنا فنظر و قال لهم اذهبوا و أروا أنفسكم للكهنة و فيما هم منطلقين طهروا (نتيجة لإطاعتهم و ثقتهم في كلمته) فواحد منهم لما رأى أنه شفي رجع يمجد الله بصوت عظيم و خر على وجهه عند رجليه شاكرا له و كان سامريا (أي غير يهودي)” ..
« يا للعجب .. الرب يشفي هؤلاء العشرة بالكلمة .. و الأبرص الآخر باللمسة ..
« بينما اليشع رجل الله لم يستطع أن يشفي نعمان السرياني من برصه إلا بعدما أمره بالغطس سبع مرات في نهر الأردن (2 مل 5 : 10 – 27)
عاشرا :- المسيحية و عائق الجنون :-
الجنون مرض يصيب مراكز العقل فيختل توازن الإنسان بالتمام .. فينعكس ذلك بالتالي على تصرفاته و تحركاته و حتى كلماته و همساته .. فيفقد السيطرة على نفسه و التحكم في ذاته .. و من ثم يصبح مصدر رعب و هلع لكل من يقع في نطاق دائرته ..
و السيد المسيح له المجد تصدى لهذا المرض في أكثر من مجال
1- شفاء ابنة المرأة الكنعانية (متى 15 : 22 – 28)
فبينما كان يسوع في نواحي صور و صيدا .. فإذا بامرأة كنعانية فينيقية لبنانية تصرخ إليه قائلة “يا سيد يا ابن داود ابنتي مجنونة جدا” .. و لما اقتربت منه “سجدت له قائلة يا سيد أعني”
عندئذ عظم الرب إيمانها و قال لها “ليكن لك كما تريدين” ثم يقرر الإنجيل قائلا “فشفيت ابنتها من تلك الساعة” ..
2- شفاء المجنون الأعمى الأخرس (متى 12 : 22 ، 23)
و في هذا يقول الكتاب …
“حينئذ أحضر إليه مجنون أعمى و أخرس فشفاه حتى أن الأعمى الأخرس تكلم و أبصر فبهتت الجموع و قالوا هذا هو ابن داود”
أما سر انبهارهم فيرجع إلى أن هذه المعجزة معجزة مركبة من ثلاث معجزات تمت كلها مع شخص واحد في وقت واحد …
حادي عشر :- المسيحية و عائق الشيطان :-
لقد كان للشيطان و جنوده من الأرواح الشريرة قوة و سلطان مهول على مملكة الناس .. و ذلك بالطبع من قبل صلب الرب و تقييده لعدو الخير بسلاسل أبدية تحت الظلام ..
غير أن المخلص الفادي تصدى لعوائق الشيطان في أكثر من ميدان
1- طرد الروح النجس من رجل في المجمع (مر 1 : 23 – 27)
لمجرد أن رأى هذا الرجل المسكون يسوع صرخ الشيطان على لسانه قائلا “آه مالنا و مالك يا يسوع الناصري أتيت لتهلكنا .أنا أعرف من أنت قدوس الله” فانتهره يسوع قائلا “اخرس و اخرج منه” و كما أمر كان …
أما الناس الواقفين لما رأوا ذلك دهشوا قائلين “ما هذا .. لأنه بسلطان يأمر حتى الأرواح النجسة فتطيعه”
2- اخرج الشيطان من مجنون كوره الجرجسيين (مر 5 : 1 – 20)
أما هذا الرجل بالذات فقد كانت تستوطنه جمهرة من الشياطين اسمها (لجئيون) يقدر عددهم بنحو ستة آلاف و ستمائة شيطان .. و من كثرة هذا العدد كانت له قوة جبارة حتى أنه كان يسكن القبور .. و يمزق جسده بالحجارة .. و يقطع سلاسل الحديد ..
هذا لما رأى يسوع “ركض و سجد له” .. ثم صرخ بصوت عظيم قائلا “مالي و لك يا يسوع ابن الله العلي.استحلفك بالله (الآب) أن لا تعذبني” .. ثم تستأذنه بأن يدخلوا في قطيع الخنازير المجاور “فأذن لهم” .. و بعدما دخلت هاجت الخنازير و ماجت و راحت تلقي بنفسها في البحر .. فماتت الخنازير بفعل الغرق أما الشياطين كأرواح فلم تمت .. غير أن قطيع الخنازير هذا قدر الإنجيل عددهم بنحو ألفي خنزير .. أما الرجل ذاته فقد استعاد صحته و سلامته و اتزانه ..
ثاني عشر :- المسيحية و عائق النزف :-
ما أخطر أن يتعرض إنسان أيا كان رجلا أم امرأة إلى حالة نزيف يستمر لا يوما ولا أسبوعا ولا شهر ولا عاما .. و إنما اثنتي سنة متواصلة بغير توقف ..
هذه هي حالة المرأة المعروفة (بنازفة الدم) مر 5 : 25 – 34 .. و قد حاولت المستحيل أن تضع حدا لمعاناتها فالتجأت مرارا للطب و الأطباء حتى “أنفقت كل معيشتها و لم تتنفع شيئا بل صارت إلى حال أردأ”
أخيرا بعد ما سمعت بيسوع قالت في نفسها “إن مسست و لو ثيابه شفيت”
و لمجرد أن لمست هدب ثوبه يقول الإنجيل “فللوقت جف ينبوع دمها و علمت في جسمها أنها قد برأت من الداء”
« توقف معي لحظة و تأمل في هاتين الكلمتين المتباينتين
1- “ينبوع” … لبيان مقدار جريان الماء و تدفقه بغزارة
2- “جف” … لإعلان مدى انقلاب الخال إلى النقيض تمام
ثالث عشر:- المسيحية و عائق العمى :-
« تنحصر مشكلة العمى في أبعاد ثلاث
j فقدان باهظ لحاسة في غاية الأهمية بالنسبة للإنسان
k استمرار الحياة في ظلام دامس مدى العمر كله بغير رجاء
l مجهولية الأعمى بكل ما و من حوله من بشر و أشياء
« لقد عرضت أمام الرب مشكلة العمى عدة مرات فتصدى لها بالشفاء
1- إعادة البصر لأعميين ( متى 9 : 27 – 31)
هذان اللذان صرخا ليسوع قائلين “ارحمنا يا ابن داود فقال لهما أتؤمنان أني أقدر أن أفعل هذا قالا له نعم يا سيد حينئذ لمس أعينهما قائلا بحسب إيمانكما ليكن لكما فانفتحت أعينهما”
2- إعادة البصر لأعمى (مر 8 : 22 – 25)
حدث ذلك في بيت صيدا “عندما قدموا إليه أعمى و طلبوا منه أن يلمسه فأخذ بيد الأعمى و خرج به خارج القرية و تفل في عينيه ووضع يده عليه و سأله هل أبصر شيئا فتطلع و قال أبصر الناس كأشجار يمشون ثم وضع يديه أيضا على عينيه و جعله يتطلع فعاد صحيحا و أبعد كل إنسان جليا”
3- خلق عينان لمولود أعمى (يو 9 : 1 – 38)
إنها معجزة جديدة و فريدة من نوعها إذا ما قورنت ببقية معجزات العمى الأخرى .. فهي ليست مجرد معجزة شفاء لأعمى و إنما هي معجزة خلق عينان لإنسان ولد هكذا من بطن أمه ناقص العينين نقصا تشريحيا و ليس مرضا فسيولوجيا ..
هذا علاوة على أن الرب هنا لم يمس عينيه كما كان معتادا أن يفعل مع غيره من العميان و إنما استحدث معه نمطا جديدا و غريبا في الآن نفسه .. إذ “تفل على الأرض وصنع من التفل طينا و طلي به عيني المولود أعمى و قال له اذهب اغتسل في بركة سلوام .. و لما مضى و اغتسل عاد بصيرا”
أما تعليق الأعمى نفسه على حقيقة ما حدث له فقد سجله في هذه العبارة الرائعة “لم يسمع منذ الدهر أن أحدا فتح عيني مولود أعمى”
« لاحظ معي عبارتي
j “لم يسمع” … حتى مجرد سمع فقط و ليس عمل
k “منذ الدهر” … أي منذ بداية الزمن و حتى اليوم
رابع عشر :- المسيحية و عائق الشلل :-
المقصود بالشلل طبيا هو العجز القهري اللاإرادي عن الأداء الحركي بشكله الطبيعي
« هذا و للشلل عدة صور
+ أصعبه الشلل الكلي الذي يستولي على جميع أعضاء الجسد كلية
+ و هناك ما يعرف بالشلل الرباعي الذي يصيب الأطراف فقط
+ و إلى جوارهما الشلل النصفي الذي لا يستهدف إلا نصف البدن
+ و هناك شلل عضوي لا يستهدف إلا عضو واحد فحسب
« و مما يجدر الإشارة إليه هنا هو أن الشلل بحسب لغة الإنجيل يسمى “بالفالج” و يدعى صاحبه “بالمفلوج”
« أما انتصارات المسيح يسوع و رسله الأطهار في مجال الشلل بأنواعه فقد فاقت كل حالات التصور و الوصف ..
« مع الأخذ في الاعتبار الفارق الهائل بين الرب و الرسل في عملية المواجهة هذه من حيث الطريقة و الوسيلة و التناول و النتائج ..
1- شفاء اينياس في لده (اع 9 : 32 – 35)
فقد كان مفلوجا فالجا كاملا مطروحا على سريره مدة ثماني سنين .. فلما جاءوا به إلى بطرس الرسول قال له عبارة واحدة “يا اينياس يشفيك يسوع المسيح قم و افرش لنفسك” هنا يقول الوحي “فقام للوقت”
2- شفاء رجل عاجز الرجلين (اع 14 : 8 – 18)
قيل عنه “هذا كان مقعدا من بطن أمه لم يمش قط” غير أن الرب قد وهبه نعمة الشفاء بفضل صلوات بولس الرسول .. فقال عنه الكتاب “وثب و صار يمشي”
3- شفاء أعرج من بطن أمه (اع 3 : 1 – 10)
ذاك الذي كان يحمله أهل الخير و يضعونه كل يوم أمام باب الهيكل ليستعطي .. و لما رأى الرسولين بطرس و يوحنا طلب منهما صدقة فقال له بطرس “ليس لي فضة ولا ذهب ولكن الذي لي فإياه أعطيك باسم يسوع المسيح الناصري قم و امشي” .. “ففي الحال تشددت رجلاه و كعباه فوثب ووقف و صار يمشي”
4- شفاء مفلوج كفر ناحوم (متى 9 : 1 – 8)
هذا الذي حمله أصدقائه الأربع و جاءوا به إلى يسوع .. و لما لم يستطيعوا الوصول إليه بسبب ازدحام الشعب صعدوا به إلى أعلى البيت و نقبوا السقف و دلوه بحبال ووضعوه أمام الرب الذي “لما رأى إيمانهم قال للمفلوج ثق يا بني مغفورة لك خطاياك” ثم أمره قائلا “قم احمل فراشك و اذهب إلى بيتك” بعدها يقول الإنجيل “فقام و مضى إلى بيته ..فلما رأوا الجموع ذلك تعجبوا و مجدوا الله” ..
5- شفاء عبد قائد المائة الأعمى (متى 8 : 5 – 13)
« و العجيب أن بطل هذه القصة يتميز بثلاث خواص
ا- رجل عسكري برتبة “قائد مئة” ..
ب- لا دين له ولا إيمان عنده ..
ج- روماني الجنس غير يهودي ..
و مع ذلك جاء إلى يسوع يرجوه أن يشفي له غلامه المفلوج في البيت .. و عندما قال له يسوع “أنا آتي و أشفيه” أجاب ذلك باقتناع مذهل “لست مستحقا أن تدخل تحت سقفي لكن قل كلمة فقط فيبرأ غلامي” .. أي أمر من مكانك حيث أنت ..
عندئذ حي الرب عظمة إيمانه و قال له “كما آمنت ليكن لك” .. بعدها يخبرنا الكتاب “فبرأ غلامه من تلك الساعة”
6- شفاء ذو اليد اليابسة (لو 6 : 6 – 10)
أما هذا الرجل فقد سبق أن أصيب في يده اليمنى بالشلل .. مما أدى مع الوقت إلى ذبولها و ضمورها و يبوستها .. و لما أحضروه إلى يسوع قال له الرب جملتين
الأولى :- “قم و قف في الوسط” .. لكي تكون المعجزة على مرأى و مشهد من الكل
الثانية :- “مد يدك” …. ففي الحال عادت صحيحة كالأخرى تماما
7- شفاء المرأة محنية الظهر (لو 13 : 11 – 13)
لقد ظلت هذه المرأة مقوسة الظهر على امتداد ثماني عشر سنة دون أن تنتصب البتة .. “لما رآها يسوع رعاها و قال لها يا امرأة انك محلولة من ضعفك” ثم وضع يديه عليها “و في الحال استقامت و مجدت الله”
8- شفاء مفلوج بيت حدا (يو 5 : 1 – 9)
أما هذا الرجل فقد ضرب الرقم القياسي في مرض الفالج .. إذ استمر مطروحا عند البركة ثماني و ثلاثين سنة .. حتى تخلى عنه الجميع بما في ذلك أهله و أسرته .. و ظل هكذا منتظرا كل هذه السنين لعل يأتيه ملاك من السماء ليشفيه.. غير أن الرب قد افتقده بعظيم مراحمه و أمره قائلا “قم احمل سريرك و امشي” “فحالا بريء الإنسان و حمل سريره و مشى” ….
خامس عشر :- المسيحية و عائق الموت :-
بدون أدنى شك نستطيع أن نقول .. إن عائق الموت هو أعظم العوائق التي تعترض حياة الإنسان فوق هذه الأرض .. إنه العائق الأخير المخيف .. المرعب المجهول .. الذي لا حل له ولا نصر عليه .. فقد هزم جميع الناس دون أن يغلبه أحد على الإطلاق …
غير أن الرب يسوع قد قهره بسلطان لاهوته ساحقا إياه في عدة جولات ..
راصدا هذه النصرة لحسابنا .. عندما نقوم في اليوم الأخير عند القيامة العامة ..
« أما مجالات النصرة على الموت فهي كالآتي ….
1- إقامة إيليا النبي لابن امرأة صرفه صيدا ( 1 مل 17)
2- إقامة اليشع النبي لابن المرأة الشونمية (2 مل 4)
3- إقامة ميت تلامست جثته مع عظام اليشع في قبره (2 مل 13)
4- إقامة بطرس الرسول لطابيتا في يافا (اع 9)
5- إقامة معلمنا بولس الرسول للشاب افتينحوس (اع 20)
« كل هذه الإقامات التي حدثت في العهدين القديم و الجديد .. إنما تمت بقوة الإيمان و فاعلية الصلاة و عمق الالتجاء إلى الله مع روح الالتماس و الرجاء و التوسل …
« أما الوضع بالنسبة لمليكنا القدوس فهو مختلف من كافة الوجوه .. إذ أقام الأموات بقوة سلطان المتجلي في كلمته الآمرة الصادرة من فمه المبارك ..
1- ففي إقامته لابنة يايرس (مر 5 : 35 – 43)
تلك التي قد ماتت حديثا فصارت جثة ملقاة على سريرها في البيت .. كل الذي فعله الرب معها هو أنه أصدر لها أمره القاطع المشمول بالنفاذ بقوله “يا حبيبة لك أقول قومي” فقامت في الحال
2- و في إقامته لابن أرملة نايين (لو 7 : 11 – 17)
يا لها من كارثة موت مثلث الأبعاد مما يجعلها مؤثرة للغاية ..
أ- فالميت كان شابا في مقتبل العمر
ب- كما كان أيضا ابنا وحيدا لأمه
ج- أما أمه هذه فقد كانت أرملة ثكلى
التقى به السيد المسيح بينما هو مسجي في نعشه محمول على الأكتاف في طريق مثواه الأخير ..
فناده الرب بهذه العبارة الباترة “أيها الشاب لك أقول قم” فإذا بالميت يقوم و يتكلم ..
3- أما في إقامته للعازر (يو 11 : 1 – 44)
فمعجزته بالذات ينبغي أن تتوج بها كل المعجزات .. إذ أن لعازر كان قد مات و دفن في قبره و مضى على موته أربعة أيام حتى ذكر عنه أنه “قد انتن” .. غير أن سيدنا رب المجد ناداه باسمه و أمره بقوله “لعازر هلم خارجا” بعدها يقرر الإنجيل “فخرج الميت و يداه و رجلاه مربوطات بأقمطة ووجهه ملفوف بمنديل” ..
« و هكذا تكون المسيحية من خلال شخص المسيح قد انتصرت على كل صور الإعاقة التي يمكن أن تعترض طريق البشر .. معلمة إيانا أن لا نتخاذل أبدا في مواجهة العوائق مهما كانت و أينما وجدت و حيثما صارت …
الإعاقة و منظومة العلاج
ليس من المنطق المعقول أن نعرض لمشكلة الإعاقة .. دون أن نتطرق لكيفية علاجها محاولين إيجاد ما يناسبها من حلول .. إذ أننا نؤمن أشد الإيمان بأن لكل مشكلة حل .. و لكل داء دواء .. ولكل مرض شفاء ..
« و في روشتة العلاج نقدم الآتي …
أولا :- الإيمان كانطلاقة و شرارة …
إن أي عمل في الوجود سواء كان ديني أو إنساني أو اجتماعي أو علمي أو ميداني لابد لكل من ينخرط فيه و يتجند له أن يكون أول ما يكون مؤمنا كل الإيمان .. فالإيمان هو بمثابة نقطة الانطلاق الأولى بلوغا إلى أعلى الآفاق وصولا إلى أعظم النتائج ..
إنها الشرارة التي تتولد في العقل .. و تنتقل إلى القلب .. ثم تتحرك نحو الضمير .. إلى أن تصل إلى الإرادة .. و من الإرادة تشعل الكيان كله حتى لا يستطيع الإنسان نفسه مقاومتها أو إخمادها
ثانيا :- الانطلاق يقود إلى التصدي :-
التصدي لكل المعوقات التي تعترض المسيرة و تعطل القافلة .. و ليس التصدي فقط و إنما أيضا التحدي القوي الجبار الذي لا يتخاذل ولا يتنازل عما يؤمن به حتى يتحول إلى واقع حي و فعل نابض …
فعلى كل من يؤمن بقضيته ما أن يعد نفسه للدخول في ملحمة الجهاد ولا يتوهم في سذاجة أن يجد الباب مفتوحا على مصراعيه و المجال مفروشا بالورود و الرياحين …..
إنه طريق الجهاد المرير و الطويل الذي يبدأ دون أن ينتهي حتى بنهاية الحياة .. و هو طريق وعر صعب محفوف بالمخاطر .. ولا يصلح له إلا الرجال الشرفاء الذين قبلوا التصدي و عاشوا التحدي حتى النفس الأخير .. بكل جسارة و ثبات و يقين ..
ثالثا :- التصدي يتحقق بالاهتمام …
إن أول درجة من درجات التصدي هو أن يولي الإنسان اهتماما خاصا و مكثفا تجاه قضيته التي أوقف عليها حياته .. إنه الاهتمام الساهر اليقظ الذي لا ينعس ولا يهدأ ولا ينام حتى يبلغ غاياته و يحقق أهدافه …
بل عليه أن يظل هكذا في يقظة دائمة مستمرة خائفا على ما أنجز من أن يخفو أو يضعف أو يتهاوى .. مصرا على المزيد من النمو و التواصل نحو آفاق أخرى جديدة ربما لم تكن تخطر على باله يوما ..
هذه هي اليقظة الباطنية التي تنتقل منه بالعدوى إلى جميع المحيطين به و العاملين معه بروح الفريق الواحد دون أن تترك ورائها مجالا لبطولات فردية أو زعامات عنترية وهمية لا توجد إلا في أفلامنا السينمائية التافهة التي تستخف بعقليات المشاهدين …..
رابعا :- الاهتمام يولد التعاطف …
التعاطف الصادق المخلص الأمين .. من جانب الذين يرون النجاحات تتألق فيفرحون من كل قلوبهم .. فيشجعون القيادات بكل أنواع التشجيع المختلفة من منطلق المصلحة العليا و الصالح العام ….
ما أحوج الإنسان إلى قلوب دافئة محبة تتعاطف معه و تسنده في سائر مواقفه و مختلف قضاياه .. لكي يمضي في طريقه واثقا من سلامة توجهاته نحو الغرض الأسمى …
على أن هذا التعاطف لا ينبغي أن يكون مجرد تعاطفا عاطفيا نفسيا وجدانيا و إنما بالأحرى تعاطفا إيجابيا فعالا و فعليا .. فيترجم عن مكنوناته بتقديم يد المساعدة لأجل إنجاز العمل في تخفيف المعاناة عن جميع المعاقين بكل نوع ….
خامسا :- التعاطف يتألق بالتكاتف …
إنه التكاتف الجماعي بين جميع القوى المتضامنة معا .. نهوضا بدرجة الأداء إلى أعلى مستوى ممكن .. بحيث تصل الخدمة متكاملة إلى كل ذوي الاحتياجات الخاصة تخفيفا لمآسيهم المرة .. وتعضيدا لضعفهم الجبري .. و إيمانا بقيمتهم الإنسانية .. و تأكيدا لدورهم الفعال في الحياة و المجتمع …
هذا التكاتف يتحقق من خلال منظومة العمل المشترك بين كل أجهزة الدولة المعنية بمختلف مؤسساتها السياسية و الشعبية و التنفيذية .. من أجل صالح المعاق نفسه و المجتمع بأسره .. حتى لا يوجد فيه عضو عاطل أو خامل يمثل عبئا على الآخرين .. و عائقا لمسيرة التنمية في طريقها المتصاعد نحو أنبل الأهداف ….
سادسا :- التكاتف يدفع إلى التوعية …
عندما يتكاتف العاملون في مجال القضاء على مشكلة الإعاقة بكل صورها و أشكالها إنما يحتاجون في ذلك على حملات تعليمية ثقافية منظمة تؤدي دورها الريادي في توعية الناس خلال وسائل الإعلام .. من إذاعة و تليفزيون و جرائد و مجلات و مطبوعات و منشورات و ملصقات و ندوات و محاضرات و مناقشات مفيدة بناءة …
« مستهدفين مجالات ….
1- توعية صحية … تفاديا لظهور أية حالات جديدة من الإعاقات المختلفة
2- توعية دينية … بحيث نشرح للناس موقف الأديان من هذه القضية بالذات
3- توعية ثقافية … في كيفية التعامل بمهارة و حذق مع هذه الظاهرة إن وجدت ..
4- توعية أسرية … للوالدين و الأخوة عندما تحدث لديهم حالة مشابهة ..
5- توعية اجتماعية … لكل قطاعات المجتمع و خلاياه فلا يشمئزون ولا يتجاهلون ..
6- توعية شخصية … للمعاق نفسه بحيث يقبل واقعه دون فقد الثقة في ذاته ..
سابعا :- التوعية تؤدي إلى التحرر …
نعم فالتوعية المبنية على أسس علمية منهجية أكاديمية اختباريه متخصصة لابد أن تؤدي إلى التخلص من كل العقد النفسية و الاجتماعية و المرضية المتفشية تجاه هذه الظاهرة …
فما أحوجنا إلى التحرر من مركبات النقص و مفاهيم التخلف الكامنة في أعماقنا تلك التي تدفعنا دون أن ندرى للتسليم بكل ما هو سلبي و كأنه أمر طبيعي و نحن أمامه عاجزون ..
إن تحرر الفكر من الأخطاء ..
و تحرر الإرادة من القيود ..
و تحرر العقل من الخرافات ..
و تحرر التصرف من الاستسلام ..
و تحرر النفس من اللامبالاة ..
و تحرر القلب من الأحقاد ..
و تحرر الذات من الانقياد ..
لهو بحق أعظم تحرر يمكن أن يحدث في عالم الناس …
« و في ختام الأمر …
يسعدني أن أتوجه إلى إخوتي المعاقين برسالة طمأنينة منبثقة من أعماق الإيمان و الأديان و الإنسان …
æ فللمعاقين ذهنيا و عقليا …
أقول لهم .. إن الله كحاكم عادل لجميع البشر عندما يدينهم في اليوم الأخير سيقدر لهم ظروفهم الخاصة بما يتناسب مع قدراتهم العقلية و ملكاتهم المعرفية …
æ أما المعاقون عضويا و جسديا …
فأقول لهم .. إن هذا الوضع إن لم يعالج هنا على الأرض فسيعالج هناك في السماء بعد القيامة حيث يعيد الله صياغة الإنسان من جديد بما يتلاءم مع حياة المجد و الخلود
بقلم
القمص بولس القمص ميخائيل متى
كاهن كنيسة ماريو حنا المعمدان
بالقوصية
المــراجــــع
1- ابو الفداء إسماعيل بن كثير: ( ب.د) تفسير القران العظيم ، القاهرة : المكتبة التوفيقية.
2- ابى بكر بن يحيى النووى : ( ب.د) شرح صحيح مسلم . تحقيق : طه عبد الرؤوف سعد ، القاهرة : المكتبة التوفيقية.
3- صحيح البخاري المطبوع مع فتح البارى تحقيق وترقيم محمد فؤاد عبد الباقي
4- مسند الإمام احمد بيروت . المكتب الاسلامى . دار صادر 5/411.
5- موسوعة أطراف الحديث النبوى الشريف : محمد السعيد بسيونى زغلول
6- عدنان السبيعى :- معاقون وليسوا عاجزين ، طبعة دار الفكر المعاصر – بيروت – دار الفكر دمشق طبعة أولى 2000 .
7- د / محمد سيد فهمي : السلوك الاجتماعي للمعوقين ، ط دار المعرفة الجامعية 1995.
8- د. فهمي على محمد : بحث بالمؤتمر العلمي الرابع لكلية الشريعة جامعة جرش ( رعاية الإسلام لذوى الاحتياجات الخاصة .
9- الشيخ الإمام محمد بن أبى بكر بن عبد القادر الرازي ، مختار الصحاح 621الهيئة المصرية العامة للكتاب
([1]) سورة الكهف آية (46).
([2]) سورة النور الآية (61) .
([3]) سورة التوبة آية (91).
([4]) سورة الفتح آية (17).
([5]) سيرة بن هشام ( السيرة النبوية ) 2/ 91 ، دار الكنوز.
([6]) سورة النساء آية (95).
([7]) محمد سعيد بسيوني : موسوعة أطراف الحديث النبوي الشريف م / 520،
([8]) سورة الحجرات آية (11).
([9]) د / عبد الستار أبو غدة : رعاية المعاقين في الإسلام ، ص 116 ، مجلة المسلم المعاصر العدد 34 ، ربيع الثاني 1403هـ.
([10]) سورة عبس الآيات (1-7).
([11]) المصدر تفسير القرآن العظيم ، ابن كثير 2/ 263.
([12]) المصدر أخرجه الطبراني في معجمه الصغير 4/2 ، الحديث 675 وقريب منه الترمذي الحديث 3451 – 5/ 493.
([13]) سورة البقرة آية (155).
([14]) سورة محمد آية (31).
([15]) سورة البقرة آية (177).
([16]) سورة الحج آية (35).
([17]) سورة البقرة آية (153).
([18]) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه 4/2295 حديث 2999 باب المؤمن أمره كله خير.
([19]) التوثيق :- المرض والكفارات ، ابن أبى الدنيا ، ص51 حديث 43 الدار السلفية والترهيب والترغيب للمنذرى 4/141 حديث 5155دار الكتب العلمية ، بيروت ط1، 1417ه.
([20]) أخرجه البخاري في صحيحه 5/ 2138 حديث 5321.
([21]) أخرجه الترمذي في سننه 4/ 602 حديث 2399 ، دار إحياء التراث العربي.
([22]) ( مسند الإمام احمد 3/144و156و283، وصحيح البخاري 5653، وسنن الترمذي 2400)
([23]) رواه الترمذي في البر والصلة باب شفقة المسلم على المسلم 4/ 325.
([24]) رواه أبو داود في الأدب باب الرحمة 3/ 291.
([25]) رواه الترمذي في الزكاة ، باب ما جاء في الصدقة 3/40.
([26]) سورة التوبة آية (103).
([27]) رواه الترمذي في الزكاة ، باب ما جاء في الصدقة 3/43 .
([28]) المعجم الكبير 12942 .
([29]) معجم الزوائد 3/138 .
([30]) تهذيب التهذيب 5540
([31]) النهاية 2/ 194.
([32]) الميزان 2/185- صحيح ابن حبان 3377- مسند احمد 5/155و167- وسنن البيهقى 6/82 .
([33]) رواه أبو داود في الجنائز باب فضل العيادة 3/185-186 واحمد 2/206؛ والحاكم في المستدرك 1/349
([34]) رواه ابن ماجه في الجنائز ، باب ما جاء في عيادة المريض 1/ 463.
([35]) راوه البخاري في المرضى بابا دعاء العائد للمريض 10/463
([36]) أبي بكر يحيى بن شرف النووي ( ب .د ) شرح صحيح مسلم ، تحقيق :
طه عبد الرؤوف سعد – القاهرة – المكتبة التوفيقية.
([37]) البخاري في الجهاد 6: 88 وأحمد 1/ 173 – ونحوه الترمذي في الجهاد (6 : 256)
([38]) سورة الأعراف آية (156)
([39]) أخرجه الترمذي في سنته بشرح تحفة الاجوذي 6/51 ، دار نشر محمد عبد المحسن الكتبي ، ط2 ، 1385 هـ – الفجالة الجديدة .
([40]) سورة غافر آية (7)
([41]) سورة المؤمنون آية (118)
([42]) الخلفاء الراشدون والدولة الأموية ، مجموعة مؤلفين ، ص 64.
([43]) البخاري باب الفرائض 8/8.
([44]) صحيح مسلم 3/ 1238 برقم 1619.
([45]) الأموال أبو عبيد ، 578- 580.
([46]) ابن الجوزي : سيرة عمر بن عبد العزيز – القاهرة – طبعة المؤيد – 1331هـ – 154، 155.
([47]) مدينة دمشق عند الراحالين المسلمين – صلاح الدين المنجد : بيروت دار الكتاب الجديد 1967 ص 134.
([48]) أحمد شوكت الشطي : المدارس والمشافي الطبية في الإسلام ، مجلة العلم والإيمان العدد 26 ، 1978 ، ص 15 – 16 الحياة الزوجية وخاصة رعاية الأطفال
([49]) أخرجه البخاري في صحيحه5/ 1958 حديث (4802).
([50]) أخرجه الإمام أحمد في مسنده م 4 ، حديث 12613.
([51]) سورة الروم آية (21).
([52]) سورة التحريم آية (6).
([53]) سورة البقرة آية (195).
([54]) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه كتاب القدر ص ( 1027) حديث 2664،دار الكتب العلمية ، بيروت ط 1، 2001م.
([55]) أخرجه البخاري في صحيحه ، ص 1172 كتاب الرقاق حديث 6412 ، دار الكتب العلمية ، بيروت ط1 ، 2001م.
([56]) أخرجه الإمام أحمد وابن ماجه والترمذي والنسائي وأبو داود وابن حيان في صحيحه.
([57]) الغزالي ، إحياء علوم الدين ، آخر باب النكاح .
([58]) منصور بن يونس البهوتي : الروض المريح شرح زاد المستنقع ،3/12 مكتبة الرياضي الحديثة .
([59]) قصص الأنبياء ، ابن كثير ، 1/ 274.
([60]) تذكرة الحفاظ للذهبي – 1/28.
([61]) وفيات الأعيان ، ابن خلكان ، 1/ 543.